حازم الامين :
ينوي عدد من القوى في لبنان خوض الانتخابات النيابية المزمع إجراؤها في أيار (مايو) المقبل بصفتها قوى «اعتراض» على قوى الأمر الواقع التي تتقاسم السلطة في لبنان. حركة «مواطنون ومواطنات» التي يتزعمها الوزير السابق شربل نحاس، والحزب الشيوعي اللبناني، ومجموعات كانت خاضت تجارب في الانتخابات البلدية، وجماعات أخرى متفاوتة التأثير والحضور، أعلنت بيانات وبرامج ستخوض على أساسها الانتخابات المقبلة، وهذه القوى كشفت عن هوياتها الاعتراضية المناهضة للتحالف الحاكم اليوم في لبنان.
الغريب في البيانات ومشاريع البرامج التي أُعلنت حتى الآن هو تحييدها «حزب الله» وسلاحه ووظائفه الداخلية والإقليمية عن مضامين البرامج الانتخابية، سواء لجهة الانحياز إليه أو ضده. علماً أن للسلطة السياسية المتشكّلة اليوم في لبنان وظيفة رئيسة ووظائف هامشية في موازاتها. الوظيفة الرئيسة هي تأمين نصاب سياسي وأهلي وقانوني يحفظ لهذا السلاح مهماته الكثيرة، ووظائف موازية على هامش هذه الوظيفة، وهي توزيع المغانم بصفتها مكافآت لمن يقبل بمهمة الحزب ومن يسهّلها. فالحزب الشيوعي اللبناني ضدّ النظام الطائفي والمذهبي على ما يقول، لكنه لا يرى في «حزب الله» حزباً طائفياً. لا بأس، فالشيوعي سيخوض الانتخابات النيابية في مواجهة طائفية سعد الحريري لا بمواجهة طائفية «حزب الله». والوزير السابق شربل نحاس ضد الفساد والمحاصصة، إلا أنه لا يرى أن «حزب الله» جزء من الفساد والمحاصصة، ونحّاس بدوره سيخوض الانتخابات ضد «فساد» سعد الحريري، وسيعفي فساد «حزب الله» من برنامجه الانتخابي. السلطة فاسدة، لكن الفساد بحسب هذا الخطاب ليس بسبب ارتهانها.
الجميع في لبنان يعلم أن الحكومة اللبنانية ما كان يمكنها أن تكون حكومة لولا انضواؤها في مشروع الصمت عن المهمات الكثيرة لحزب «المقاومة»، وأن تعفي قوى اعتراض على السلطة هذا الحزب من قرار المواجهة فهي تختار البقاء في الهامش الذي حدّده الحزب للقوى التي تشاركه السلطة وتشاركه «اعتراضات» عليها. وهذه مهمة مكملة للشراكة الكبرى التي أقامها الحزب.
سيكون مسموحاً لشربل نحاس خوض مواجهات انتخابية صغرى مع حلفاء الحزب مثل حركة أمل والتيار العوني، على أن يُهزم فيها، فنحاس جزء من الماكينة الداخلية لهذه السلطة المتشكّلة حول تلك المهمة، والحزب الشيوعي أيضاً، ذاك أن الأخير ضد الطائفية «الصغرى» المتمثلة بالفساد والمحاصصة، ومع الطائفية الكبرى المتمثلة بالحرب الأهلية الإقليمية التي يخوضها «حزب الله» في سورية والعراق. والمجموعات الأخرى التي أعلنت عزمها خوض الانتخابات حتى الآن ستخوضها أيضاً متجنّبة مسألة الحزب وسلاحه، ومُقدّمة عليها شعارات كانت خاضت وفقها الانتخابات البلدية وحقّقت أرقاماً في مواجهة لوائح السلطة.
«حزب الله» حدّد للمعارضة السقف الذي عليها أن تتحرك وفقه. والمفجع في أمر هذه المعارضات الصغرى، أن الحزب الذي تحيّده عن بياناتها الانتخابية لن يقابلها بنفس الود ونفس الرغبة. شربل نحاس لن يحظى بصوت واحد من «حزب الله» لقاء الخدمات التي يقدّمها له، والحزب الشيوعي يتلقى منذ نحو ثلاثين عاماً الصفعات الانتخابية من «حزب الله» من دون أن يجرؤ على إعلان تألّمه ووجعه. وهذه العلاقة التي تنطوي على بُعد مازوشي مع السلطة ومع مركبها الرئيس، ستستمر في تأدية المهمة المطلوبة منها والمتمثلة في تأمين نصاب معارضة شكلية تحبها السلطة وتُعزز بها شرعيتها.
العودة إلى المربع الأول لتشكل السلطة الراهنة في لبنان لن يوصل صاحبه إلا إلى «سلاح المقاومة». رئيس الجمهورية انتُخب لأنه حليف لـ «المقاومة»، ورئيس الحكومة ما كان يمكن أن يكون رئيساً لولا قبوله بهذا السلاح، ورئيس المجلس النيابي هو الحليف التاريخي والمذهبي لهذا السلاح. الفساد والمحاصصة والمذهبية في توزيع الحصص جميعها منعقدة حول المهمة المركزية هذه. لكن أصدقاءنا اليساريين قرروا أن المعركة هي مع جمال الجراح وعلي حسن خليل، وهم إذا رفعوا مستوى شجاعتهم وطموحاتهم فسيخوضونها مع جبران باسيل. سيخسرون حتماً، وربما كافأتهم المقاومة لاحقاً ببعض الفتات، لكن، وبما أنهم خاسرون خاسرون، ألم يكن مشرفاً أكثر أن يخسروا في مواجهة صاحب مشروع السلطة؟