… سريعاً خَلَعَتْ بيروت رداءَ الفرح بعد «الليلةِ الليلاء» التي أَحْيَتْها بفائضٍ من الألوان في وداعِ عامٍ صعبٍ واستقبالِ سنةٍ ربما تكون أصعب. فالعاصمة التي تُعانِد رفْع الرايات البيض أمام «الزمن البائس» في السياسة والاقتصاد، تعمّدتْ الرقصَ حتى الفجر في وجه «حافة الهاوية» التي تَربّصتْ بها طويلاً. وعندما كانت عقاربُ الساعة تَتَعانق عند «مفترق الـ 12»، بدا وسط بيروت وكأنه في «انتفاضةِ ناسٍ» على الخواءِ الذي احتلّ الساحات وجَعَلها مُقْفرة بـ «قرارٍ» أراد دفْن الحياة فيها.
ورغم أن نجوم «الخمس نجوم» تَوزّعوا على دبي وسواها من مدنٍ يحلو لها «التعويض» عن «كبْوةِ» بيروت، فإن رئيس الحكومة سعد الحريري أراد هذا العيد (رأس السنة) تمريناً لإعادة بيروت ووسطها الى خريطة الفرح في خطوةٍ رمزيةٍ الهدفُ منها ضخّ مقاومةٍ مدنية، وعلى طريقته، لإظهار الوجه الجميل من «حبّ الحياة» عند اللبنانيين الذي دَهَمَهُم «التعب» بعد أعوام طويلة من الحروب بالنيابة عن سواهم وانتقالهم للحرب في ساحات سواهم.
وها هي بيروت التي لم تَنَمْ «تفْرك عينيْها» مع شمس أول يومٍ من الـ 2018، تحدّق ملياً بما يَجري في إيران ومُدُنِها الغاضبة وكأنّ الأمر يَحدث في «ضاحيتها الجنوبية»، وتستعدّ لتَسلُّم أوراق اعتماد السفير السعودي الجديد وليد اليعقوب غداً، وتتهيّأ لترتيبِ جدول أعمالها لسنةٍ صاخبةٍ، الأكثر إثارة فيها الانتخابات النيابية في مايو المقبل ومصير الانتشار العسكري – الأمني لـ «حزب الله» في ساحات المنطقة، وما قد يصيبها من وهْجِ المنازلات الكبرى والتسويات الكبرى في المنطقة.
وتُدْرِك بيروت أنها أمام أسبوعٍ بالغِ الحساسية في حساباتها المحلية، مع المساعي المُفْتَرَضة لنزْع فتيلِ مواجهةٍ سياسية – دستورية بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري، مواجهةٌ اسمها «الحَرَكي» مرسوم الأقدمية لضباطٍ في الجيش محسوبين على عون جرى إمراره من دون توقيع وزير المال المحسوب على بري، الأمر الذي أَشْعَل أزمةً تنطوي على «صواعق» كثيرة تتّصل بإدارة الحُكم والميثاقية والتوازنات في السلطة ونظام الطائف وأعرافه وما شابَهَ.
وبعدما كانت الأزمة بين الرئاستيْن الأولى والثانية بلغتْ مداها قبل أن تطوي الـ 2017 آخر أوراقها، تَفتح الـ 2018 صفحاتها الأولى على مبادراتِ حلٍّ يُرجَّح ان يقوم بها الرئيس الحريري بين حليفيْه، عون وبري، وكذلك «حزب الله» المرتبط بتحالفٍ استراتيجي مع الطرفيْن الشيعي والمسيحي، وسط اتجاهٍ لتحقيق خرْقٍ ما قبل جلسة أول السنة للحكومة يوم الخميس المقبل في حال نجحتْ المَساعي في إيجاد مخرجٍ لأزمة المرسوم وعلى طريقة لا غالب ولا مغلوب.
وفيما برز اختصار وزير الإعلام (من «القوات اللبنانية) ملحم الرياشي الخلاف بين الرئاستين وخلفياته بقوله»هناك حالة عدم ثقة بين الطوائف فالحالة الشيعية ترفض الثنائية المارونية – السنية وهناك تَخوّف ماروني- سني- درزي من هيمنة شيعية على الدولة«، كان لافتاً في الساعات الماضية إعلان»حزب الله«انه ليس وسيطاً بين عون وبري محدِّداً أطرَ أي مبادرة للحل يقوم بها بثلاثة مرتكزات هي احترام الطائف واحترام الدستور واحترام الصلاحيات.
وعلى وقْع خروج»حزب الله«عن صمته حيال»أزمة المرسوم«، أَطْلق رئيس البرلمان موقفاً عكَس مرونةً لدى المكوّن الشيعي حيال مضمون المرسوم مقابل تكريس التوقيع الشيعي (عبر وزير المال) عليه، في سياق الحرص على جعْل هذا التوقيع»شريكاً دائماً وثابتاً«لرئيسيْ الجمهورية (الماروني) والحكومة (السني) في توقيعهما على كل المراسيم.
وقال بري لموقع محطة»ام تي في«:»ليرسلوا مرسوم الأقدميّة الى الوزير (المال) علي حسن خليل وأنا أضمن أن يوقّع عليه«، لافتاً الى انّه لم يطلب شيئاً من رئيس الحكومة بعد توقيعه المرسوم.
واذ أشار الى انّ أزمة مرسوم الأقدميّة ليس لها أيّ بُعد مذهبي وهي غير متصلة بضرورة توقيع وزير شيعي على المراسيم، اكد انه»إذا تمّ اللجوء الى القضاء لحلّ أزمة المرسوم أقول لهم مسبقاً مبروك، وقد أبلغتُ الى قائد الجيش أنّ المؤسسة العسكريّة لا علاقة لها بهذه الأزمة وليس لديّ أيّ شيء ضدّ الضبّاط«.
وعن علاقته مع رئيس الجمهورية، أكّد»انها كانت أكثر من ممتازة خصوصاً بعد أزمة استقالة الحريري ولكنّ مشكلة الحاكم تكون عادةً في البلاط ومن هم حوله«.
ولم يكن جفّ حبر كلام بري حتى أطْلق الرئيس الحريري المزيد من الإشارات الى ان أزمة المرسوم قابلة للحلّ، وهو اختار وسط بيروت (ساحة النجمة) حيث تَفقّد ليل السبت التحضيرات لاحتفالات رأس السنة ليوجّه رسالة طمْأنةٍ اذ اعتبر رداً على سؤال حول مآل هذه الأزمة»ان البعض يريد تكبير هذا الموضوع، لكنه متعلق بأمر واحد وأنا أعمل عليه، وكل الأفرقاء سيصلون الى حلّ. هذا الموضوع يحتاج للروية وأن يُحل بالتي هي أحسن، والأمور تُحل ولا شيء يستعصي علينا. مررنا بقطوعات أصعب بكثير ولن نقف عند مرسوم«.
وحين سئل: الرئيس بري قال إن الحل هو بتوقيع وزير المال، فما ردكم؟ أجاب:»لن ادخل في التفاصل وان شاء الله الأمور تُحل«.
وتطرّق الى رمزية عودة الحياة الى وسط بيروت فقال:»هذه ساحة النجمة التي كان يحب الرئيس الشهيد رفيق الحريري ان يراها بهذه الحيوية والحياة، وهذا لبنان الذي نحب أن نراه يستعيد عافيته، وإن شاء الله ننتهي من عام 2017 ونبدأ بعام حافل بالانجازات، ونأمل ان تستمر الحركة، وأريد للناس أن يعيشوا».
(الراي)