ركزت الصحف المحلية الصادرة اليوم على أزمة المراسيم التي راوحت مكانها في ظلّ انسداد الأفق أمام إيجاد حلّ لها نتيجة تمسّكِ الأطراف المعنية بها بمواقفها، ما جعلَ البلاد تدخل سَنتها الجديدة مأزومةً، ما استفزّ الرئاسة الثانية لأسباب اعتبرَتها “ميثاقية” اتّفِق عليها “عرفاً” في الطائف.
رئيس الحكومة سعد الحريري “خرج عن صمته” ، إذ أكد أنّ “الخلاف في شأن مرسوم الأقدمية لضبّاط دورة 1994 يجب أن يضَع في مكانه الصحيح. فهو شأنٌ صغير في بلدٍ يعاني من مشكلات عدة”، وقال: “هناك وجهات نظرٍ قانونية ودستورية في شأن هذا المرسوم، وهناك حلولٌ في المقابل، شرط أن يتمّ وضع المشكلة في إطارها الصحيح، وعدم تضخيمِها أكثر ممّا هي عليه”، مضيفاً: “نحن لا نريد تصغيرَ المشكلة ونعتبرها غير موجودة، فالإشكال موجود، والمسؤولية تقتضي أن نعملَ جميعاً على حلّه بِما يتوافق مع الأصول”.
وأشارت “الجمهورية” إلى أن مرسوم منحِ الاقدميات لضبّاط ما سُمّيت “دورة عون” ظلّ عالقاً في عنق الزجاجة، من دون ظهور أيّ مؤشرات تشي بحلّ الخلاف المستجدّ بين رئيسَي الجمهورية ومجلس النواب والذي ترجِم أمس تراشقاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي بين مناصري “التيار الوطني الحر” وحركة “أمل”، ما وسَّع الهوّة بين الطرفين. وإذ تراجعَت حدة المواقف السياسية، ظلّت المساعي مستمرّة على مستويات عدة لكنّها لم تؤدِّ بعد إلى مخرج يشكّل توافقاً بين بعبدا وعين التينة تحديداً .
وفي المقابل، لفتت “اللواء” إلى أن حدة “النقاش الاعلامي” بين الرئيسين عون وبري كانت قد تراجعت بعض الشيء، أو بمعنى آخر بلغت السقف المسموح به، لمصلحة إعطاء مزيد من الوقت لإيجاد مخرج للأزمة الناتجة عن مرسوم منح اقدمية لضباط العام 1994، ووضعها الرئيس عون في خانة الصراع السياسي المعتاد على مواضيع أخرى، مثل توزيع الصلاحيات والخلل في التوازن الطائفي، وهو ما وافقه عليه الرئيس برّي، ولم يبد أي اعتراض على هذا القول، وان كان قد استدرك مؤكداً انه لا يعرف طبيعة هذا الصراع ومواضيعه، لكنه أصرّ على ان لكل مشكلة حل، والحل يكون بالعودة الى الدستور.
وإلى ذلك، أكدت معلومات خاصة بـ”اللواء” ان هذا السجال سيتوقف، أو بالاحرى سيكون له منحى آخر، خصوصاً بعد دخول الرئيس سعد الحريري على خط الأزمة، للمرة الأولى منذ التزامه الصمت طوال الأسبوعين الماضيين .
نصرالله يتولى شخصياً طرح مخرج
وتحدثت معلومات “اللواء” عن “مخرج” سيتولى طرحه الأمين العام “لحزب الله” السيّد حسن نصر الله شخصياً، عبر معاونه السياسي الحاج حسين الخليل ورئيس لجنة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا، نظراً لعلاقته الوثيقة بالطرفين المختلفين على المرسوم.
وأفادت معلومات من مصادر موثوقة لـ”اللواء” ان الحزب سيبدأ مسعاه مطلع العام المقبل بعدعطلة الاعياد، لكنه سيؤكد موقفه المبدئي المؤيد لموقف الرئيس بري من موضوع المرسوم وضرورة توقيع وزير المال عليه، وهويستند في ذلك الى المادة 54 من الدستور ايضا، وسيحاول الحزب إقناع الرئيس عون بموقفه هذا وبضرورة اعادة المرسوم الى وزير المال ليوقعه ويصبح نافذاً، وإمّا سيقترح مخرجاً آخر لم تعرف عناوينه بعد، بما لا يؤدي الى تراجع الرئيس عون عن موقفه ويراعي في الوقت ذاته مطلب الرئيس بري بضرورة وضع “التوقيع الشيعي” على المرسوم وغيره من مراسيم الى جانب التوقيع الماروني والتوقيع السني، “استناداً الى الميثاقية”.
وإلى ذلك، لفتت “الأخبار” إلى أنه وفيما لم تنتج وساطة اللواء عبّاس إبراهيم حتى الآن أي تقدّم، يجري الحديث عن مبادرة جديدة من حزب الله بعيدة عن الإعلام، من دون أن يؤكّد أي طرف لـ”الأخبار” تدخل حزب الله لإيجاد مخارج للأزمة الحالية.
وفي المقابل، لاحظت “الجمهورية” صمتُ “حزب الله” عمّا يَحدث، وعلمت أنّ الحزب يراقب بدقّة ما يجري، وهو لم يتدخّل في النزاع بين بعبدا وعين التينة، كذلك لا يقوم بأيّ وساطة حالياً لرأبِ الصدع و”إصلاح ذات البين” بين الرئاستين الاولى والثانية.
وفي الانتظار، ذكرت معلومات “اللواء” ان مسعى اللواء ابراهيم لم يتوقف بعد برغم المعلومات عن انه لم يتوصل حتى الان الى نتائج مثمرة لمسعاه السابق خلال الايام الماضية. واكدت المعلومات ان اللواء ابراهيم يواصل حتى اللحظة محاولات التوصل الى حل وسط تكتم شديد من قبله على ما يحمله من مقترحات وافكار.
وحول الحلول المحتملة، أكّدت مصادر وزارية معنيّة لـ”الأخبار” أن “الأزمة مرشّحة للتصاعد، وأن لا حلول ترضي الطرفين في الأفق”. وقالت إنه بالنسبة إلى بري، فإن “الحلّ يكون بإعادة النظر بالمرسوم كونه غير دستوري ولا يحمل توقيع وزيري المال والداخلية وهما صاحبا اختصاص، وإلّا لنعد النظر بالطائف بأكمله، لأن من يصرّ على هكذا مرسوم غير دستوري، فإنه يصرّ على الطعن بالطائف”.
والترقيات تتأخر
توازياً، لفتت “اللواء” إلى أنه وبالنسبة لمراسيم ترقيات ضباط الجيش التي تستحق ابتداءً من مطلع العام الجديد، فلم يطرأ عليها جديد، باستثناء تأكيد مصادر في وزارة الدفاع بأن الوزارة لم تتبلغ حتى ما بعد ظهر أمس، عن أية مراسيم معادة من وزارة المال، كانت معلومات اشارت إلى ان وزير المال علي حسن خليل ردّ هذه المراسيم لتضمنها أسماء ضباط وردت اسماؤهم في مرسوم الاقدمية، وعددهم تسعة من رتبة عقيد إلى عميد، وستة من رتبة مقدم إلى عقيد.
وأوضحت مصادر “اللواء” ان كل رتبة من رتب ضباط الجيش تحتاج إلى مرسوم خاص، بمعنى مرسوم خاص بالملازمين الأوّل، والنقباء والرواد والمقدمين والعقداء والعمداء، ما يفترض (والكلام للمصادر) بأن يكون الوزير خليل وقع مراسيم الترقيات من رتبة ملازم أوّل حتى رتبة مقدم وربما عقيد.
وفي هذا الإطار، أكّدت مصادر واسعة الاطلاع في عين التينة لـ”الأخبار” أن “إجراء خليل ليس موجّهاً ضدّ الجيش، بل يحمي موقف المؤسسة ووحدتها ويمنع التمييز فيها”، مصرة على التأكيد أن “موقف الرئيس برّي يحفظ الجيش ويحصّنه ولا يمكن لأحد أن يزرع شرخاً بيننا وبين هذه المؤسسة التي لطالما وقفنا إلى جانبها وحميناها لأنها صمام الأمان للبلاد، ونحن على اتصال دائم بقيادة الجيش”.
وردّاً على سؤال “الأخبار” عمّا إذا كانت تجزئة مرسوم الترقيات وإجابة وزارة الدفاع عن التوضيحات التي طلبها وزير المال ستدفع خليل إلى التوقيع على جزء من ترقيات المقدمين والعقداء، أكّدت المصادر أن “وزير المال ينتظر ردّ وزارة الدفاع”. وفي الوقت نفسه، استغربت المصادر وضع أسماء ضباط من المستفيدين من مرسوم الأقدمية على جدول الترقية، طالما أن المرسوم لم ينشر ولم يصبح نافذاً.
عون “يبق البحصة”
وأشارت”اللواء” إلى أن كل هذه التطورات جاءت بعدما “بق” الرئيس عون “البحصة” امام وفد من قيادة الجيش زاره مهنئاً بحلول السنة الجديدة، حين أكّد ان “النقاش الحاصل اليوم حول مرسوم الاقدمية ليس لتحصيل الحقوق بل يتعلق الأمر بصراع سياسي على أمور أخرى”.
ولفتت “اللواء” إلى أن الرئيس عون لم يوضح طبيعة هذه “الامور الأخرى”، لكن كلامه أوحى ان الأزمة بين الرئاستين الأولى والثانية ما تزال تتفاعل، لا بل هي مرشحة لانفجار أكبر ما لم يأت التدخل الفعال لفرملتها أو وقفها، لا سيما وان حظوظ التواصل المباشر بين بعبدا وعين التينة بقيت بدورها مقطوعة أو منقطعة، في إشارة كبيرة إلى ان الواقع السياسي في وقته الراهن غير سليم.
وأفادت مصادر سياسية مطلعة في بعبدا “اللواء” بأن الذي دفع الرئيس عون للحديث عن “الصراع السياسي” وجود تسريبات وتلميحات تصدر في الإعلام تتجاوز الخلاف على المرسوم إلى اتهام رئيس الجمهورية بخرق الطائف، إضافة إلى كلام عن تعطيل مراسيم، مثلما هو الحال في ردّ مرسوم الترقية من رتبة عقيد إلى عميد، وكذلك ما يتردد عن نية الوزراء الشيعة في عدم حضور جلسات مجلس الوزراء.
وذهبت مصادر”اللواء” إلى أبعد من ذلك، لتشير إلى تخوف رئاسي من تكريس عرف قانوني جديد بأن يقترن كل مرسوم بتوقيع وزير شيعي من دون ان يكون بالضرورة وزير المال، فضلاً عن إمكان تجميد المراسيم طالما ان الدستور يجيز للوزير المعني ان يُبقي المرسوم لديه فترة طويلة غير محددة، في حين ان الدستور يفرض على رئيس الجمهورية توقيع المرسوم ضمن مهلة لا تتجاوز الـ15 يوماً.
وأوضحت مصادر “اللواء” بأن الصراع السياسي الذي أشار إليه عون يتعلق بالكلام السياسي والطائفي الذي صدر، خاصة بالنسبة إلى الإشارات بأن المسلمين أقلية والمسيحيين أكثرية في المرسوم الخلافي، معتبرة بأن هذا الكلام كبير ومرفوض، متسائلة عن الخلل الميثاقي في مرسوم يراد منه منح الاقدمية، ولماذا تحويله إلى أزمة سياسية مرتبطة بقضايا ميثاقية خطيرة؟ ولماذا أيضاً اتهام رئيس الجمهورية بانتهاك الطائف وهو الحريص على تطبيق بنوده، ويدرك جيداً ماهية نصوصه، داعية لمن يقول هذا الاتهام إلى تقديم الدليل أو الإثبات على ذلك.
وقالت مصادر قصر بعبدا لـ”الجمهورية” أن “لا جديد على هذا المستوى بعد، وإنّ كلّ شيء مجمّد الى حين”، معتبرة “أنّ ردَّ وزارةِ المال مراسيمَ ترقيةِ الضبّاط الى وزارة الدفاع إجراءٌ طبيعي بعدما استعاد وزير المال أو سحبَ توقيعَه منها بحجّة أنّ مِن بين الضباط الذين نالوا الترقية ضبّاط استعادوا قسماً مِن حقوقهم في مرسوم تسوية أوضاعهم، ما جَعل جميعَ الضبّاط المستحقين في سلّة واحدة ما سيُرتّب حقوقاً متأخّرة لهم، وعلى من جمَّد هذه العملية أن يتحمّل تبعاتها كاملةً، وهو أمر غير طبيعي على الإطلاق”.
وقالت مصادر “الجمهورية” “إنّ هذه المواقف دفعت برئيس الجمهورية إلى دعوة قيادة الجيش إلى “نسيان ما تسمعه في السياسة، فالجيش هو الصامت الأكبر”.
وفي تفسيرها لإشارات رئيس الجمهورية قالت مصادر “الجمهورية” “إنّ أمام رئيس الجمهورية مجموعة من المراسيم السابقة المشابهة والتي أعادت حقوقاً مهدورة أو ضائعة لضبّاط الجيش أو لأهداف أخرى، واعتمد فيها الأسلوب عينه، خصوصاً بعد “إتفاق الطائف”، وإنّ الغوض في بعض الترقيات السابقة لن يكون في مصلحة المعترضين اليوم لأسباب سياسية لا تمتُّ بصلة الى القانون والدستور، وإنّ التلطّي وراء الميثاقية وخرقِ الدستور لن يفيد في شيء متى كُشِفَ المستور، وإنّ التمادي في توجيه مِثل هذه التهَم الكبيرة لن يستمرّ طويلاً، وعلى من لديه ما يثبتُ هذه الاتّهامات الخطيرة أن يتحلّى بالجرأة والمجاهرة بها لتبيان الاتّهامات السياسية من غيرها التي لا تدخل سوى في لائحة التجنّي والظلم وهو في غير زمانه ومكانه”.
وأضافت مصادر”الجمهورية” أنّ إشارة رئيس الجمهورية امام وفد قيادة الجيش الى خلفيات سياسية لِما يَجري وليست قانونية ولا دستورية ولا ميثاقية، هي خطوة تحذيرية، وإن لم تعالج القضية سريعاً قد يأتي الوقت المناسب للحديث عنها وكشفِها على علّاتها وعيوبها، لأنّ التمادي في الظلم غيرِ المبرّر لن يطول”.
وخَتمت مصادر “الجمهورية”: “إنّ التحذير في هذه المرحلة يعني ضرورةَ سحبِ المواقف السياسية من التداول، ومَن سعى الى تحريف خلافٍ قانوني وتقني وتحويله سياسياً عليه التراجع عنه تلقائياً منعاً للتمادي في انعكاساتها السلبية على مرسوم ترقيةِ ضبّاط الجيش وهم جميعاً من مستحقّيها بجدارة، ومَن سعى الى التسييسِ لأسباب مجهولة ـ معلومة عليه أن يتحمّلَ المسؤولية إلى النهاية التي لن يضيع فيها حقّ بعد اليوم”.
وعين التينة تنتقد
وقالت أوساط عين التينة لـ”اللواء” أن الرئيس نبيه بري كان يتتبع المواقف التي تصدر عن الرئيس عون في بعبدا، أمس، وقد نقل عنه زواره تأكيده في شأن مرسوم الضباط، بأن هناك دستوراً فليطبق، وان ما من ازمة إلا ولها حل والمهم ان يربح البلد ونحفظه ونحفظ وحدته.
وعندما سئل عن موقف رئيس الجمهورية امام وفد قيادة الجيش فقال: انا كما رئيس الجمهورية مصر على اعطاء العسكريين حقوقهم، وهذا ليس امرا جديدا، واكد انه مع عون بان المقصود من النقاش الدائر حاليا لا يتعلق بحقوق العسكريين انما بصراع سياسي على مواضيع اخرى وانا ليس عندي اعتراض على هذا القول.
ولما سئل عن طبيعة هذا الصراع ومواضيعه تجنب بري الاجابة مكتفيا بالقول: لا اعرف، وكذلك قال لا أعرف إذا كان “الطائف” احد هذه المواضيع؟ وهل يخشى عليه؟
إلى ذلك، لفتت “النهار” إلى أنه وفي حين فُسر كلام رئيس المجلس أمام زواره بأنه يتسم بالليونة، أكدت مصادر عين التينة ان لا تراجع عن الموقف حتى يحمل المرسوم توقيع وزير المال، مشيرة الى ان بري لا يسعى الى تكبير المشكلة، ولكنه لن يرضخ لتهميش صلاحية وزير المال.
ولم تستبعد مصادر معنية عبر “النهار” ان يعمد بري المتريث راهناً، الى كشف “المخفي” الذي وعد به وهو كناية عن مخالفات وسوابق سجلت في حالات مماثلة، “الا إذا تمت معالجة المشكلة وفقاً لما يقتضيه الدستور”.
الكنيسة: نزاع في غير محلّه
وأكّدت مصادر كنَسيّة لـ”الجمهوريّة” أنّ “كلّ ما يدور من نقاش ونزاع حول المراسيم والصلاحيات هو في غير محلّه ويُعكّر الأجواء الإيجابيّة”، مشدّدةً على أنّ “مطالبة أيّ مِن الوزراء بأن يكون توقيعه ملاصقاً لتوقيع رئيس الجمهوريّة يدلّ الى أنّنا نعيش الزمن الرديء”.
وأشارت مصادر لـ”الجمهوريّة” الى أنّ “الدستور واضح جدّاً، ورئيس الجمهوريّة هو رئيس الوطن ورئيس كلّ المؤسسات، والمسّ بصلاحياته أمرٌ ممنوع ويَضرب تركيبة السلطة وهرميّةَ الحكم، ومَن يطرح المساواة بين صلاحيات الرئيس وإمضائه وإمضاء أيّ مِن الوزراء يَهدف الى تقزيمِ رئاسة الجمهورية وجعلِها عاجزةً عن ممارسة أيّ دور”، مطالبة بـ”عدمِ تفسير الدستور والقوانين باستنسابيّة والنيلِ من هيبة رئاسة الجمهورية”.
(الصحف)