أحمد الغز :
تحوّلات الربيع العربي الهائلة كانت خارج التوقعات والتحليلات، اذ شهدنا تداعيات كبرى وسقوطاً للنظام العربي خلال خمسة أسابيع بين ١٧ كانون الاول ٢٠١٠ يوم أحرق البوعزيزي التونسي نفسه، و ٢٥ كانون الثاني او يناير ٢٠١١ يوم التجمع الكبير في ميدان التحرير بالقاهرة. ويصادف اليوم ١٦ كانون الاول الذكرى السنوية السابعة لذلك الإعصار السياسي.
شهدت المنطقة في الأسابيع الماضية تطوّرات وتداعيات من الأزمة الخليجية- الخليجية الى التطورات الكردية العراقية والتطورات اللبنانية، والعملية الإرهابية الكبرى في سيناء، وصولاً الى اليمن واغتيال علي عبد الله صالح، الذي سبق الاعتراف الاميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل.. والذي يضاهي بمعناه وآثاره زيارة الرئيس السادات للقدس في ١٩ تشرين الثاني ١٩٧٧ وتوقيع إتفاقيات كامب ديفيد في ٢٦ آذار ١٩٧٩، وبالتزامن مع الثورة الايرانية، اذ خرجت مصر من النظام الإقليمي، ودخلت ايران الى المنطقة، ثم جاء احتلال بيروت اول عاصمة عربية عام ١٩٨٢، وانتهاء الكفاح الشعبي الفلسطيني المسلّح.
تشهد المنطقة ما يشبه الطوفان، ولا احد يستطيع التحكّم بمساراته وتحوّلاته أو الحديث عن مستقبل الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الاسلامي، ولا عن مستقبل التحالفات الاقليمية الدولية الجديدة، من سوتشي حول سوريا الذي تقوده روسيا الى التحالف الجديد ضد ايران الذي تقوده اميركا. ولا أحد يستطيع ان يحدّد مستقبل ايران الدولة او وظيفتها. والامر عينه بالنسبة لتركيا وتحدّياتها الكبيرة. والأهمّ من ذلك هو انّ اسرائيل لأوّل مرّة تواجه تحدّي معنى وجودها بالمنطقة، وليس لدى حكّامها إجابة حول وظيفتها الحالية والمستقبلية، وكذلك الأمر بالنسبة لكلّ دول منطقة ما يعرف بجنوب غرب اسيا او دول الشرق الاوسط.
ان لبنان يحتاج الى التواضع في مقاربة التحوّلات الكبرى، ويحتاج الى عقلية اخلاقية استراتيجية إنقاذية للدولة والمجتمع، بعيداً عن مجموعات التبسيط والكيدية والغباء والمنفصلة عن الواقع، والتي تحاول بخفة التموضع في تداعيات الإعصار الكبير الذي يضرب المنطقة واعتباره مشكلة لبنانية داخلية اصطفافية بين هذا الفريق او ذاك. والحقيقة ان الأمور اكثر تعقيداً وهولاً.
ان حقائق وأحداث وتداعيات التحوّلات الكبرى ماثلة أمام الجميع ولم يتوقع احد حدوثها، من العراق الى قطر وبيروت وصنعاء وسيناء ودمشق والقدس وطهران واسطنبول وباريس والقاهرة، ولا ننسى واشنطن وتحوّلاتها. كلّ ذلك جاء من خارج التوقّعات، تماماً كما حصل قبل سبع سنوات ايام الربيع العربي الذي لم نكن نتوقّعه او نعرف شيئا عن مساراته ومنطلقاته واهدافه، وكما حصل في شباط وآذار ٢٠٠٥من تحوّلات بين الافرقاء اللبنانيبن.
ان ما نشهده من خفّة وادعاء في لبنان يجعلنا نخاف على كلّ اللبنانيّين من الذين يخوضون هذه الايام معاركهم مع طواحين الكلام والحقد والاصطفافات الوهمية في زمنٍ نحن بأمسّ الحاجة فيه الى الالتفاف حول تجربتنا الوطنية وهويّتنا والتمسّك بالأرض والكيان، مع عدم نسيان كيف اننا جميعاً مارسنا الاستقواء بالخارج على الداخل وتسبّبنا بضياع لبنان مرّات ومرّات.
ان المنطقة تشهد إعصاراً كبيراً، وربما تشهد مواجهات وحروباً كبرى، مما يجعل لبنان بحاجة الى الكثير من الاخلاق والتواضع والتسامح والقليل من الادعاء. كما نحتاج الى الحكمة والاتّزان كي نصنع لبنان المتوازن والمحصّن والقادر على مواجهة الإعصار، لأنّ الخفّة والتشاطر والكراهية والادعاء يصنعون لبنان الخفيف الذي قد تقتلعه الرياح. ولا اعرف في اي لبنان سنكون في الايام والأسابيع القادمة، في لبنان المتوازن او لبنان الخفيف..
ahmadghoz@hotmail.com