ما يزال نهر الليطاني يئن من تلوث وإهمال، ويرزح تحت عبء الفوضى والمماطلة والتسيُّب، فيما الموت يحاصر المواطنين ويقض مضاجعهم، أمراضا وسموما وأوبئة، أما المسؤولون ففي غربة عن وجعين، وجع النهر ووجع المواطن، وفي الحالتين فضيحة قائمة وكارثة مستمرة، ومسلسل لم ينتهِ فصولا بعد.
فلا معنى لقانون دون آليات واضحة وشفافة لتطبيقه، فيما لا مصداقية تبدد هواجس من اكتووا بنار الأزمة، وإلى حين إسقاط المحاصصات والتنفيعات من قائمة التلزيمات يمكننا فقط رفع التلوث عن الليطاني، لسنا في صدد إطلاق التهم جزافا، فإلى اليوم وبعد مرور وقت كاف لاطلاق المناقصات بشكل واضح وبشفافية، لا نعلم ما إذا تم وضع دفاتر الشروط لمجمل المشاريع،كما وأننا اعتدنا على التلزيمات (بالتراضي) والتي لا تلحظ الكفاءة والخبرة والتخصص.
هذا الجو الذي تسير فيه قضية الليطاني لا يبشر بالخير، لا بل ينذر بتفاقم الأزمة أكثر، وبهدر أكبر للمال العام والوقت على حساب صحة المواطنين.
في التاسع عشر من تشرين الأول (أكتوبر) 2016 أقر المجلس النيابي قانون رقم 63 القاضي بـ “تخصيص اعتمادات لتنفيذ بعض المشاريع والاستملاكات في منطقة حوض الليطاني من النبع الى المصب، وقد جاء في مادته الأولى تخصيص اعتماد عقد إجمالي قدره 1100 مليار ليرة لبنانية لتنفيذ هذه المشاريع اللازمة لمكافحة التلوث في النهر ضمن خطة تمتد لسبع سنوات”، وقد وضع يومها الخبير الكيميائي والمستشار العلمي لموقع greenarea.me بعض الملاحظات السريعة على إقرار القانون وتبنينا رأيه وملاحظاته. وأشار قديح مرارا وتكرار إلى أن “سوء إدارة الموارد المائية شكل واحدا من أسوأ التدخلات التي شوهت مورفولوجيا النهر وخربت إتزانه، وأعدمت الحياة فيه”.
وأكد أن “المماطلة ترفع التلوث”، لافتا إلى أنها تعتبر “سببا مضافا لتلوث الينابيع العذبة، وآخرها فاجعة تلوث نبع عين الزرقا الذي يغذي النهر في قسمه الجنوبي”.
وفي هذا السياق، أشاد النائب جوزيف معلوف بالقانون في مؤتمر أقيم قبل أيام في بيروت، ونوه بصدوره “بالتعاون والتوافق مع المجتمع المدني”، علما أن بعض الناشطين عبروا عن استيائهم لعدم دعوتهم ولا مشاركة المجتمع المدني في أي من هذه الإجتماعات التي أثمرت هذا القانون، وقد برر معلوف ذلك بأن “الدعوات وجهت عبر الجرائد وهناك تقصير من قبل المجتمع المدني بالمتابعة، وأن القانون موجود على صفحة المجلس النيابي وقد لحظ كافة التفاصيل.
وعن الشفافية في التنفيذ ودور الوزارات التي بدأت بالتطبيق والمعالجة خصوصا في محطة زحلة للصرف الصحي، قال معلوف لـ greenarea.me: “ليس ثمة كميات لتسيير عمل المحطة، وما حصل كان (بروباغندا) روجت أن المحطة بدأت العمل فيما شبكات الصرف الصحي لا تصل إليها، فكيف يمكن أن تعمل أساسا؟”، لافتا إلى أنه تم “تشغيل Unit (حدة) واحدة لمعالجة 3000 متر مكعب، وهي لا تكفي ولا يمكن أن تحل المشكلة”.
أشار معلوف إلى أن “العمل على القناة 800 جار وسيتم تشغيلها قريبا وهذا ضمن الاعمال المنجزة في الليطاني”.
وعن كيفية جر مياه القرعون الملوثة الى الجنوب قال: “إن كافة التفاصيلpublic information موجودة، ويمكننا أن الاطلاع عليها على صفحة مجلس النواب تحت عنوان (قانون برنامج نهر الليطاني)”، واستغرب كيف أن “الإعلام لم يأخذ نسخة من القانون بعد”، وبعد بحثنا عن هذ التفاصيل التي تشرح الخطط وتوضح كيف ستتم المعالجة لم نجدها لا على صفحة المجلس ولا عند أي من الخبراء المتابعين للقضية الذين استشرناهم.
وكان النائب معلوف وعدنا بأن يجيب على مجمل تساؤلاتنا عبر إتصال هاتفي حدد موعده مسبقا، لكن حين اتصلنا به في الموعد الذي حدده رد علينا أحد الموظفين في مكتبه بأنه في اجتماع وسيعاود الإتصال بنا، ولم يتم يعاود الإتصال ربما لضيق وقته.
ولكن هل نفهم بإقرار القانون أن دور المجلس النيابي إنتهى حين صدق على المشروع المرسل اليه من الحكومة لترمى الكرة في ملعب “مجلس الإنماء والإعمار” ووزارت الصناعة الزراعة والبيئة؟ وهل النواب الذين يمثلون الشعب غير معنيين بمتابعة عمل الوزارات والقضايا الوطنية وهموم المواطنين؟
ما حصل ويحصل من تأخير وتسويف لعملية رفع التلوث مرفوض، وهذا ما عبرت عنه “الحملة الوطنية لحماية نهر الليطاني” في بيان أصدرته خلال مؤتمر صحفي، أشارت فيه إلى أنها “ستفضح فيه كل الحقائق والعراقيل التي تواجهها في عملها وبأنها لن تكون شاهد زور”.
وهذا ما أعاد تأكيده لـ greenarea.me رئيس بلدية زوطر الغربية حسن عز الدين منتقدا “غياب الشفافية في العمل والمناقصات وكيفية إدارة الخطة”، لافتا إلى أن “لا مراقبة ولا وضوح في العمل والإجراءات في مجال رفع التلوث والموت”، منوها إلى أن “الأمراض سبقت الأعمال بأشواط والتلوث في تمدد مستمر ما يتطلب السرعة في تنفيذ الإجراءات”.
وأضاف عز الدين: “حين يقر وزير الصناعة حسين الحاج حسن بوجود ألفي مصنع يلوثون الليطاني لا يكفي إقفال 18 مصنعا منها فقط، إنما يؤكد أن المحسوبيات تتدخل في قمع مخالفات دون أخرى”، وتساءل: ماذا عن بقية المصانع؟ وماذا عن البلديات التي ما زالت تلقي بالصرف الصحي إلى مجرى النهر؟ وهل مثل هذه الإجراءات تحتاج الى كل هذا الوقت؟”.
ولفت عز الدين الى أن “عملية التسويف والمماطلة وعدم الشفافية وخصوصا من جهة (مجلس الانماء والإعمار) تثير الريبة والشك حيال التنفيعات الحاصلة وهدر المال العام” وختم مؤكدا أن “هذا الوضع غير مقبول وسيتم الكشف في الأيام المقبلة عن كافة الأمور”.
وقال الباحث في “مركز البحوث العلمية” الدكتور كمال سليم لـ greenarea.me أن “النهر بأسوأ حالاته والتلوث في أعلى درجاته، كما أن بحيرة القرعون إمتلأت بالسموم والبكتيريا”، واعتبر أن “تشغيل القناة 800 بالشكل الذي عليه البحيرة اليوم سيكون مجزرة بحق البيئة لما يشكله هذا المشروع من خطر داهم على البيئة، لجهة نوعية المياه التي تحتوي على مختلف أنواع البكتيريا والجراثيم والمعادن”.
وأكد سليم أنه إلى “اليوم لم يتخذ أي إجراء يعتبر جديا وفعالا لوقف التلوث”، وقال: “على العكس فالـ (سيانوبكتيريا) تتمدد وتنتشر وقد وصلت عبر المياه إلى بحيرة أنان وبسري وتمتد ايضا الى شمال البحيرة ، ولم يتم معالجة الصرف الصحي ووضع حد لمخلفات المصانع”.
وختم سليم قائلا أن “محطة زحلة لم تعمل فعليا ولن تعمل بهذا الشكل وعمليات حرق ورمي النفايات الصلبة مستمرة على ضفاف الليطاني وهذا الوضع ينذر بالأسوأ”.
أما المهندس ابراهيم عراجي من شركة Industrial and Mechanical agency (I.M.A) فرأى أن “ما تم الإعلان عنه يؤكد أن لا رؤية عامة واضحة ومدروسة يعمل بها، وان العمل لا يتم وفقا للأصول العلمية، وما يحصل هو مجرد فعل ورد فعل، ولا حل الى الآن”.
وحول تم تداوله بخصوص تشغيل محطة زحلة أوضح عراجي لـ greenarea.me بأن “ما تم انجازه في محطة زحلة ما هو إلا جزء مجزأ من محطة تكرير زحلة، وما حصل هو فقط لامتصاص غضب المواطنين، وعلى غرار على ما تقوم به كافة الدول كان يفترض ربط كافة خطوط الصرف الصحي (شبكة الربط) بالمحطة، إلا ان محطة زحلة جاءت بعد مشكلة حصلت وهي التلوث، ولذلك نرى أن خطوط الصرف الصحي في مجمل قرى ومناطق البقاع لا زالت مسلطة الى مجرى النهر، والحاصل فعليا أن مجاري الصرف لهذه القرى غير الموصلة بالمحطة لا تمر عبرها، وما تقوم المحطة بفلترته هو جزء بسيط لبعض الخطوط الموصولة فيها ولا تتعدى الـ 15 بالمئة من مجمل عدد القرى”.
وقال: “بالنسبة للفلترة فهي لن تجدي بسبب وجود المواد الكيميائية الناتجة عن المعامل والمصانع التي ترمي مخلفاتها في النهر والتي تتسبب بتعطيل عملية المعالجة والمحطات ايضا، كما أن النيترات موجود بشكل مركز ايضا في المياه بفعل الاستعمال العشوائي من قبل المزارعين لهذه المادة وغياب الارشاد الزراعي والفحص المخبري للتربة”.
وختم عراجي: “إن ما هو حاصل هو مجرد هدر للمال، ومعالجة جزء بسيط ثم رميه في مجرى ملوث لا يحل أي مشكلة”.
(greenarea.me – فاديا جمعة)