ماذا سيُبرز الحريري من وثائق تؤكد إدانة هذه الاطراف بالانقلاب عليه؟ وهل يوجد فعلاً تقارير وصلت الى القيادة السعودية؟ وهل تحتاج السعودية الى التقارير لكي تبني موقفاً من الملف اللبناني؟
لم تكن التقارير سوى صدى لمواقف واضحة أُعلنت فور سَير الحريري في خيار رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، ومن ثم العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، وباستثناء «القوات اللبنانية» التي عارضَت انتخاب فرنجية وسَوّقت لعون، فإنّ مشكلة الحريري مع هذه القوى والشخصيات والأحزاب لم تكن في عالم الأسرار طوال الفترة الماضية، ولا كانت مواقفهم ولا محاضر لقاءاتهم مع مسؤولين سعوديّين خافية عليه، فلماذا إذاً إثارة هذه القضية الآن؟ ولماذا التركيز عليها واعتمادها شَمّاعة لتعليق الموقف السعودي عليها؟ ولإطلاق اتّهامات بالخيانة والتآمر؟
في قصّة كل واحد من هؤلاء «الخونة» مع الحريري فصول من الصراحة والوضوح تكفي لنَسف نظرية التآمر.
كان الدكتور فارس سعيد، الذي ابتعد على مَضض عن الحريري، واضحاً في خياراته، منذ اللحظة الاولى للتسوية الرئاسية. بقيَ على علاقة جيّدة شخصياً مع الحريري حتى آب الماضي، حين طلبَ لقاءه وصارَحه بالآتي: «سنبقى أصدقاء، ولكن في السياسة سأعارضك وسأعمل على تشكيل جبهة معارضة لهذه التسوية لأنّني اعتبرها استسلاماً لـ«حزب الله».
امّا الدكتور رضوان السيّد فلم يكن هو الآخر مُختبئاً داخل مؤامرة غامضة، بل كان صوته الأقوى والأعلى رفضاً للتسوية غير المتوازنة، التي انتقد نتائجها السلبية على موقع الطائفة السنيّة ودورها.
يُروى أنّه في أحد لقاءات السيّد مع الحريري، نَبّه الى خطورة قانون الانتخاب الذي يحرُم السُنّة نحو 9 مقاعد سنية ويعطيها الى حلفاء «حزب الله»، فكان جواب الحريري: «أيّاً يكن حجم كتلتي فأنا رئيس حكومة ما بعد الانتخابات».
عن علاقة حزب الكتائب والحريري يمكن أن يقال الكثير، بدءاً من الخروج من حكومة الرئيس تمام سلام وصولاً الى عدم المشاركة في حكومة العهد الأولى، ولدى النائب سامي الجميّل الكثير ليقوله عن هذه المرحلة وعن مفاوضات اللحظات الاخيرة لولادة الحكومة، لكن كل ذلك لا يمكن ان يقاس باتهام الكتائب بالتآمر على الحريري في السعودية، الذي لا يصلح أن يكون مادة للتعليق عليها.
أمّا في شأن العلاقة المقطوعة بين الحريري واللواء أشرف ريفي، فيُمكن تَتبّعها من خلال مواقف الأخير طوال المرحلة الماضية، إذ إنه يقول بوضوح وعلناً ما يقوله في الغرف المغلقة، والذي لا يحتاج الى نَسج مؤامرات ولا الى اتهام بالخيانة، بل الى إقرار بوجود خلاف حقيقي وكبير.
ويبقى السؤال: لماذا يذهب الحريري في اتجاه توسيع الشَرخ مع حلفاء سابقين، في مقابل رفع حرارة العلاقة مع الخصوم الذين تحوّلوا حلفاء جُدداً وحلفاء حلفاء؟ وما هي الجدوى من كل المسار الذي يسلكه بعد عودته عن الاستقالة؟
الأرجح، كما تقول أوساط «الخونة والانقلابيين»، أنّ الفريق المحيط بالحريري يدفع الى تأكيد التمَوضع الجديد، والى قطع الجسور مع رفاق «ثورة الاستقلال»، من دون التفات الى انّ هذا المسار يعني أنّ الحريري يتّهم المملكة العربية السعودية بالتأثّر سلباً بوَشوَشات بعض «الخونة».
فهل سيخوض الحريري هذه التجربة؟ وهل بات يعتبر أنه قادر على أن يكون لاعباً مُحايداً بين المحور الإيراني والسعودية؟