شكّلت الانتكاسة المبكّرة التي تَعرّضتْ لها «تسوية النأي بالنفس» التي عاد معها رئيس الوزراء سعد الحريري عن استقالته مؤشراً على «المشوار الصعب» الذي يَنتظر لبنان وحكومته في انطلاقتها الجديدة، بعدما تشابكت الدلالات الخطيرة والرسائل «المشفّرة»، كما المباشرة، لظهور ميليشيا عراقية موالية لـ«الحرس الثوري» الإيراني على الحدود اللبنانية مع اسرائيل في الجنوب.
وغداة «الصدمة الأولى» التي شكّلها بث الفيديو الذي أظهر زعيم ميليشيا «عصائب أهل الحق» العراقية المنضوية تحت لواء «الحشد الشعبي» قيس الخزعلي يقوم بحركة استطلاعية، بإشرافِ «حزب الله» ومواكبته، على الحدود الجنوبية للبنان، رأت أوساط مطلعة في بيروت أن هذا المعطى البالغ الخطورة سيكون عنواناً بارزاً على طاولة مجلس الوزراء – وإن من خارج جدول الأعمال – في أول جلسةِ عملٍ مرتقبة لها هذا الاسبوع منذ استقالة الحريري (4 نوفمبر الماضي) ثم عودته عنها نهائياً يوم الثلاثاء الماضي.
وحسب هذه الأوساط، فإن إشارات عدة تشي بأن بث الفيديو حصل بغطاءٍ ضمني من «حزب الله» الذي التزم الصمت حيال الشريط ومضمونه كما حيال الردّ المسيء من مكتب الخزعلي على رئيس الوزراء اللبناني الذي كان دعا لفتْح تحقيق في ملابسات الزيارة «غير الشرعية»، معتبرة ان هذا الأمر يعكس رغبة من الحزب ومن خلفه إيران في تأكيد أن طهران هي اللاعب الأقوى في لبنان الذي بات عملياً مربوطاً باستراتيجية «وحدة الجبهات»، ولافتة الى أن ظهور «عصائب أهل الحق»، المحسوبة على «الحرس الثوري»، على الحدود اللبنانية مع اسرائيل يوجّه رسالة بأن خط طهران – بيروت (براً) عبر بغداد ودمشق بات سالكاً، في أول ترجمةٍ علنية لإكمال «هلال النفوذ» الذي لم يسبق أن نجحتْ إيران في إنجازه منذ أيام الامبراطورية الفارسية.
وفي رأي هذه الأوساط، ان الإطلالة الميليشوية العراقية عبر جنوب لبنان وتحديداً من أرض القرار 1701 لا يمكن قراءتها أيضاً إلا على أنها برسْم مجموعة الدول الغربية التي تتألّف منها قوة «اليونيفيل» العاملة في الجنوب، ولا سيما في غمرة «شدّ الحبال» مع طهران حيال بعض الملفات ذات الصلة سواء ببرنامجها البالستي أو بالضغوط الأميركية التي تُمارس على أوروبا لوضْع الجناح السياسي لـ «حزب الله»، بعد العسكري، على لوائح الإرهاب وتحجيم نفوذه كذراع إيرانية عابرة للحدود في المنطقة.
ولاحظتْ الأوساط أن جولة الخزعلي، أعقبها تداوُل ناشطين على مواقع التواصل فيديو يُظهِر عناصر (برفقة آخرين من «حزب الله») عرّفوا عن أنفسهم على أنهم من «سرايا السلام» العراقية في بلدة كفرحمام بمنطقة العرقوب في القطاع الشرقي من جنوب لبنان ويَظهر أحدهم المدعو «حسن الأفغاني» وهو يشير الى «دوريات من الأمم المتحدة (اليونيفيل) نراها الآن»، بعدما قال أحد العناصر الملقب بـ (ابو حسن) ان «سرايا السلام» موجودة في لبنان «وهي باقية وتتمدد».
ورغم الانطباع بأن هذا الفيديو ليس حديثاً إذ تحدّث فيه أحد عناصر «حزب الله» عن تمنياته بتحرير الموصل ناهيك عن أن العلاقة بين الحزب و«التيار الصدري» ساءت في الفترة الأخيرة، فإنه لا يمكن إسقاط مغازي هذا الحضور العسكري لميليشيا «سرايا السلام» في منطقة تطلّ على الجليل الأعلى ولا توقيت بثّ الشريط، وسط اقتناع الأوساط المطلعة ان مجمل هذه الإشارات تدلّ على أن التسوية التي أعيد إحياؤها في لبنان وترتكز على «حبلِ نجاةٍ» اسمه النأي بالنفس ليست إلا مَخْرجاً لفظياً وشراءً للمزيد من الوقت لبقاء لبنان في «دائرة التبريد» في حين يستمرّ «حزب الله» في مساره، رغم الرسائل البارزة التي وجّهها اجتماع مجموعة الدعم الدولية في باريس والذي قام بـ «تدويل النأي بلبنان (في اشارة الى»حزب الله«) والنأي عنه»، وأعاد التذكير بالقرار 1559 كحاضنة دولية لمعالجة مسألة سلاح «حزب الله» ما لم يتم ذلك لبنانياً من ضمن حوار حول الاستراتيجية الوطنية للدفاع.
وفيما كان وزير العمل اللبناني محمد كبارة يدعو الى «القبض على مسؤول الميليشيا العراقية التي تتبع ايران والمسماة«عصائب اهل الحق» قيس الخزعلي، ومحاكمته لأنه خرق للسيادة اللبنانية عندما تجول بلباس عسكري على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة»، نُشر كلامٌ لوزير الداخلية نهاد المشنوق من أبو ظبي أطلقه يوم الجمعة الماضي واعتبر فيه أن «بيان مجموعة الدعم الدولية للبنان بنصه الحاسم وفي حال صفاء النيات وصدق الارادات يمكن أن يشكل حلاً فعلياً للخلل الخطير في العلاقات اللبنانية العربية»، لافتاً الى أن «التسوية المعاد إحياؤها مهمة واستراتيجية من أجل تنقية علاقات اللبنانيين وطوائفهم ببعضهم البعض، وهي تسوية يحمل أطرافها من مسلمين ومسيحيين ومن موقع رئاسة الجمهورية تحديداً مسؤولية حماية مرجعيات الوفاق الوطني والعربي أي اتفاق الطائف وميثاق الجامعة العربية، وان يكونوا رأس حربة في حماية علاقات لبنان في محيطه العربي وحماية مصالح الانتشار اللبناني».
(الراي)