بدا مسار الحلّ الوشيك للأزمة السياسية التي عبّرتْ عنها استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري من الرياض قبل التريّث في تقديمها مع عودته إلى بيروت في سباقٍ مع التطورات الدراماتيكية التي أطلّتْ برأسها من الملف اليمني وما تؤشر إليه من تحوّلاتٍ في إطار «حرب النفوذ» في المنطقة والمواجهة الإيرانية مع دول الخليج ولا سيما المملكة العربية السعودية.
وفي حين حمَلتْ «المفاجأة» اليمنية، التي شكّلت «نقْلة هجومية» بارزة في سياق المواجهة مع إيران ونفوذها، مخاوفَ من إمكان أن تتْرك تداعياتٍ على صعيد الواقع اللبناني الذي كانت انتكاستُه الأخيرة ترتكز في جانب رئيسي منها على تَورُّط «حزب الله» في الأزمة اليمنية، جاء الإعلان المباغت أمس عن إطلاق الحوثيين صاروخاً في اتجاه الإمارات ليزيد الهواجس من تَمدُّد شظايا التحوّل اليمني لتصيب أكثر من ساحة ولا سيما لبنان.
ورغم نفي الإمارات أن يكون أي صاروخ استهدفها، فإن مسارعة «حزب الله» عبر «الإعلام الحربي المركزي» التابع له الى إعلان إطلاق «الصاروخ المجنّح نوع كروز على مفاعل براكة النووي في ابو ظبي»، ولو نقلاً عن «القوة الصاروخية اليمنية»، شكّلت إشارة سلبية بارزة برسْم مساعي النأي بلبنان عن صراعات المنطقة ولا سيما اليمن، وهي المساعي التي كانت استندتْ في جانب منها الى إعلان «حزب الله» بلسان أمينه العام السيد حسن نصر الله غياب أي حضور عسكري له في اليمن.
وإذا كانت «كرة النار» اليمنية المتدحْرجة تُنْذر باحتدام الصراع السعودي – الإيراني، فإن مصادر سياسية تعتبر أن ثمة إرادة دولية بالإسراع في إعادة وضع لبنان على سكة الاستقرار السياسي الذي اهتزّ مع إعلان الحريري استقالته في 4 نوفمبر الماضي، وذلك قطْعاً للطريق على أي استثمارٍ إقليمي للوقائع المتسارعة في المنطقة في سياق محاولة جعْل لبنان «ملعب مقايضات» وتصفية حسابات بين اللاعبين الإقليميين.
ومن هنا تشير هذه المصادر الى استعجال باريس انعقاد مجموعة الدعم الدولية للبنان يوم الجمعة المقبل في العاصمة الفرنسية بعدما كان مقرراً أن تلتئم أوائل 2018، لافتة الى ان هذا الأمر يأتي في إطار رغبة فرنسا بتوفير غطاء دولي لـ «التسوية المُرمَّمة» التي يفترض أن تُنجز في مجلس الوزراء في غضون الساعات الـ 48 المقبلة، أي قبل اجتماع مجموعة الدعم، وذلك على قاعدة صيغة لم تُكشف بعد وستتضمّن مقاربة مُدَوْزنة لعنوان «النأي بالنفس» والتزام اتفاق الطائف وصوْن علاقات لبنان العربية، وهي العناوين التي اشترطها الحريري لدى إعلان تريُّثه في تقديم الاستقالة وكمَدخل للعودة عنها نهائياً.
وفي حين ترى دوائر متابعة أن الاستعجال الدولي لتحصين الوضع في لبنان قبل أن يأخذ الحدَث اليمني مداه على صعيد تعديل التوازنات في المنطقة من شأنه أن يكرّس الاستقرار كأولوية على سلاح «حزب الله» في بُعده الداخلي، وهو ما قد يكون من الصعب تغييره لاحقاً، تشير المصادر السياسية إلى أنّ مجموعة الدعم الدولية التي تضمّ الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية وحكومات الصين وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة (وستحضر مصر اجتماعها يوم الجمعة) يفترض أن تعاود تأكيد ثوابتها لجهة وجوب تحييد لبنان عن أزمات المنطقة، والتزام القرارات الدولية بما فيها الـ 1701 كإطار لمعالجة سلاح «حزب الله» الى جانب الحوار الداخلي، في موازاة ترقُّب رصْد مساعدات وهبات للبنان بقيمة 4 أو 5 مليارات دولار للمشاريع الاستثمارية والبنى التحتية بهدف تزخيم الانطلاقة الحكومية الجديدة.
في المقابل، لم تُسْقِط بعض الأوساط السياسية ان يكون الهدف من تقريب موعد التئام مجموعة الدعم الدولية للبنان الضغط لإنجاز الحلّ لأزمة استقالة الحريري وفْق مرتكزاتٍ تراعي الاعتراض السعودي وإلا انتقل الملف اللبناني الى «التدويل» الذي كان لوّح به وزراء الخارجية العرب حين صنّفوا «حزب الله» كـ«منظمة إرهابية وشريك في الحكومة» في معرض إدانة ممارسات إيران في الساحات العربية وطلب إحاطة مجلس الأمن بهذه الممارسات.
وفي أيّ حالٍ، فإن مسار حلّ أزمة الاستقالة في لبنان الذي اضطلعتْ باريس بدور كبير فيه مع كل من الرياض وطهران بات في «ربع الساعة الأخير»، وسط ترجيح أن ينعقد مجلس الوزراء كحدّ أقصى بعد غد لإعلان المَخرج رسمياً ليبدأ بعدها رصْد ترجماته الفعلية، في ظلّ اقتناعٍ بأن «حزب الله» ولو ظَهَر على انه قدّم بعض التنازلات غير «الكاسِرة» للتوازنات سيَبقى «متفوّقاً» بقوة في الوضع الداخلي في موازاة خصومٍ صاروا عالقين بين معالجة سلاح الحزب بشقّه الإقليمي بما يقي لبنان «غضبة» العرب وبين تَحوُّل إثارة موضوع هذا السلاح بشقّه الداخلي عنواناً «كاسِراً للاستقرار».
وتشير معلومات الى ان الرئيس الحريري الذي كان أجرى في باريس مناقشات مستفيضة مع وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل (صهر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون) أفضتْ الى تفاهم شبه نهائي على صيغة مَخرج العودة عن الاستقالة، قد يعود الى العاصمة الفرنسية بعد جلسة مجلس الوزراء لحضور اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان التي كانت واكبتْ عن كثب مرحلة إعلانه الاستقالة وأيّدت موقف الرئيس عون الذي دعا الى عودة رئيس الحكومة الى لبنان.
(الراي)