وجاءتْ مفاجأة الحريري في عيد الاستقلال الـ 74 حصيلة لمساعٍ ديبلوماسية كثيفة، عربية قادتْها مصر وغربية تَقدّمتْها فرنسا، أفضتْ إلى منْع انزلاق الأزمة التي عبّرتْ عنها استقالة الحريري على وهج اشتداد المواجهة السعودية – الإيرانية إلى انفجارٍ سياسي يطيح بالاستقرار في لبنان وإيجاد تسوية أكثر تَوازُناً تراعي مقتضيات الواقع العربي وتراعي مصالحه، وتُجدِّد بوليصة التأمين الدولية – الإقليمية لبقاء البلاد في «المنطقة الآمنة» في لحظة رسْم التوازنات الجديدة في المنطقة.
ورغم إيحاءات بعض الأطراف في لبنان بأن تريُّث الحريري هو تراجُع سياسي، فإن أوساطاً مطلعة رأت ان رئيس الحكومة العائد من ثلاث قمم مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمصري عبد الفتاح السيسي والقبرصي نيكوس اناستاسيادس، قرّر التلويح بالاستقالة بيدٍ وبالحوار باليد الأخرى، الأمر الذي يحفظ الاستقرار الأمني والسياسي في البلاد ويفتح الطريق أمام حوار جدي، وعلى الأرجح في إطار سقفٍ زمني محدد بـ 15 يوماً، يتناول الملفات الخلافية الشائكة في بُعديْها الداخلي والإقليمي على حد سواء.
وفي رأي مصادر متقاطعة أن التريث في الاستقالة محكوم بتوازن جديد شكّله السقف العالي للاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب باعتبار «حزب الله» منظمة إرهابية و«ربْط نزاع» مع الحكومة اللبنانية التي يشارك فيها الحزب والتلويح باللجوء إلى مجلس الأمن لتدويل الموقف من النفوذ الإيراني وأذرعه في المنطقة، ناهيك عن الموقف الغربي التصاعُدي تجاه إيران وأذرعها وخصوصاً بعد طي صفحة «داعش» في العراق وسورية.
وبخطوة الحريري الذي بدا واضحاً مع عودته أنه استعاد زخمه الشعبي وهو ما عبّر عنه الاحتفال الحاشد الذي أقامه له مناصروه في بيت الوسط ومحيطه أمس، تكون الكرة أصبحت في ملعب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون و«حزب الله» وسط إيحاءات بأن الأخير مستعدّ لتقديم بعض التنازلات في ما خص النأي بالنفس بعدما أعلن ان لا وجود له في اليمن وأنه عائد من العراق، وذلك رغبةً منه في تفادي الوقوف وجهاً لوجه أمام ضغوط متعاظمة عربية وغربية.
(الراي)