العميد الركن خالد حماده
ليس الجديد في البيان الختامي للإجتماع الإستثنائي لوزراء الخارجية العرب توصيف حزب الله بالمنظّمة «الإرهابية»، وليس جديداً مطالبته بالتوقّف عن نشر التطرّف والطائفية والتدخّل في الشؤون الداخلية للدول. لقد سبق أن وجّهت دول عربية ودول غربية للحزب هذا الإتّهام. الجديد هو تكليف المجموعة العربية في الأمم المتّحدة مخاطبة رئيس مجلس الأمن الدولي لتوضيح الخروقات الإيرانية، مما يعني تدويل الصراع وإخراجه من دائرة التجاذب العربي بعد أن أضحت مراكز القرار في العديد من العواصم العربية خاضعة للنفوذ الإيراني أو هي في أحسن الأحوال عاجزة عن المبادرة خوفاً على استقرارها الداخلي.
يبدو البيان بما يحمله من اتّهام لحزب الله وملامسة تحميل الحكومة اللبنانية تبعات استيعاب مكوّن «إرهابي» في صفوفها، إلى جانب تدويل المسألة الإيرانية بالإضافة الى التصعيد الميداني الذي تشهده الساحة اليمنية هو الجرعة الأولى من منظومة الإجراءات القابلة للتصعيد في الرد على التدخلات الإيرانية،ومن ضمنها ضلوع حزب الله في زعزعة استقرار السعودية والبحرين.
إمتناع وزير الخارجية جبران باسيل عن المشاركة في اجتماع وزراء الخارجية العرب أتى في سياق تجنّب المواجهة مع الدول العربية بعد الفشل الذي لاقته الجولات على عواصم القرار في استنهاض موقف دولي لمواجهة المملكة العربية السعودية في الإجتماع المذكور. موقف الرئيس ميشال عون في رفض لبنان الإيحاء بأنّ حكومته شريكة في أعمال إرهابية، واستحضار الإستهداف الإسرائيلي المستمر وحق اللبنانيين في مقاومته بكلّ الوسائل المتاحة، وعدم الأخذ بعين الإعتبار بتوصيات الرئيس الفرنسي بضرورة التزام سياسة النأي بالنفس، إلى جانب موقف الرئيس بري المتماهي بالتأكيد على أهمية حسن الجوار في العلاقات العربية الإيرانية والتذكير بقرارات الجامعة العربية التي تؤكّد حق المقاومة في التحرير لا يمكن تصنيفهما إلا في خانة الذهاب القسري نحو المجهول. يدرك الرئيسان أنّ الطريق إلى تل أبيب لا تمرّ بصنعاء ولا بالمنامة وهي حتماً لا تمرّ بالرياض.
التصعيد الميداني في سوريا سواء في غوطة دمشق التي تتعرّض لأشرس الهجمات الجويّة والتطوّر الميداني على الحدود العراقية السورية ودخول قوات النظام والميليشيات الرديفة الى مدينة البوكمال للمرة الثانية في غضون أيام وإعادة إظهار الدور المفصلي للجنرال قاسم سليماني في هذه الإنجازات، كلها أتت في سياق استعراضٍ إيرانيٍ للقوّة وتأكيدٍ على المواجهة وإسقاط فرص التسوية.
كلمة الأمين العام لحزب الله المتلفزة أمس جاءت في سياق الرد التصعيدي على الإجراءات العربية من خلال الإستثمار إلى أبعد الحدود في إنجازات الجيش العراقي في تحرير قضاء راوى وما تبقّى من محافظة الأنبار، وفي إنجازات الجيش السوري في البوكمال من خلال التأكيد على دور إيران وحزب الله في إعادة الوصل الجغرافي بين العراق وسوريا، مع التأكيد على جاهزية المقاتلين للإلتحاق بأي ساحة أخرى. لم يغفل الأمين العام عن التذكير بدور حزب الله وإيران في تحرير الجرود اللبنانية – برغم تأكيدات الجيش اللبناني على عدم وجود أي دور لسواه- متناسياً الصور الماثلة في أذهان اللبنانيين لقوافل الإرهابيين الذين غادروا الجرود اللبنانية في باصات مبرّدة جابت البادية السورية على مرأى من النظام السوري وحلفائه ومن التحالف الغربي على حدٍ سواء.
في غمرة الإعتداد بالدور الإيراني ودور حزب الله دون سواهما في مواجهة داعش أخطَرنا الأمين العام باحتفالات الإنتصار على داعش التي ستعمّ الساحات والشوارع في دمشق وبيروت وبغداد لدى إعلان سقوط مشروع دولتها بعد مدة وجيزة. لبنان الذي لم تقوَ حكومته على الإحتفال بتحرير جرودها والذي سيحتفل بذكرى الإستقلال غداً سيكون مدعواً بإشارة من طهران إلى مشهديّة إقليمية إحتفالية بسقوط مشروع الخلافة الإسلامية.
ماذا يمكن أن تضيف عودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت بعد محادثاته مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وبعد لقائه المُرتقب بالرئيس عبد الفتاح السيسي بعد كلّ ما حملته الأيام القليلة المنصرمة من تصعيد على الصعيدين الإقليمي والداخلي؟
ماذا يمكن أن تقدّم مواقف الرئيس الحريري في ظلّ تحوّل بيروت إلى صنعاء جديدة!!!؟؟
العميد الركن خالد حماده
مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات
بقلم: العميد الركن خالد حماده
مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات