فضيحة أم كارثة أم كلاهما؟ أي عنوان نختار؟ وكيف يمكن توصيف موتنا القادم من مياه انعدمت فيها المياه وباتت كالسُـمّ الزعاف؟ “وجعلنا من الماء كل شيء حي” تقول الآية الكريمة، إلا في الليطاني، هناك غدا الماء “قاتلا” بما اقترفت أيدي من ائتمنوا على صحتنا، ولم يعد ثمة ما هو حي، إلا فضائح المسؤولين، وأي فضائح؟
في مقاربة لما آل إليه حال الليطاني نحتاج لمفردات جديدة، ومصطلحات لا نجدها في القواميس ومعاجم اللغة، ونحتاج لنحاة خبراء في التوصيف والاشتقاق، خصوصا ساعة نعجز عن تظهير كارثة وأن ننقل للقارئ إيقاع وحركة موج الطحالب الخضراء “الممهور” بروائح لا طاقة لكائن حي على احتمالها.
خطة لتجهيل الناس
هكذا غزت الـ “سيانوبكتيريا” Cyanobacteria “بركة أنان”، وجرت مع المياه إلى مزروعاتنا والى “معمل بول أرقش” قبل أن تختلط مع مياه نهر الأولي.
لقد طغى اللون الأخضر على مياه “بركة أنان” خلال الصيف الماضي، فمشهد المياه الراكدة ولونها الأخضر كانا يشير إلى تراكم الطحالب السامة الـ “سيانوبكتيريا” Cyanobacteria القادمة من بحيرة القرعون والملوثة بمختلف أنواع البكتيريا، وما يثير الاهتمام، أنه وقبل نحو شهرين أفرغت البركة من المياه الخضراء، وشكل هذا الأمر صدمة، وأثار تاليا جملة تساؤلات معطوفة على مخاوف جمة: هل كانت مصلحة مياه الليطاني على علم بمحتواها؟ هل تم التخلص من مياهها في البساتين لري المزروعات والخضار؟ والترسبات السامة في قعر البركة كيف تم التخلص منها؟
وثمة أسئلة كثيرة وكبيرة أيضا، وقد “حاصرتنا” عندما استوقفنا التهاون في نقل تلوث بحيرة القرعون الى “بركة أنان”، وبالتالي إلى قرى شرق صيدا وبساتينها ومزروعاتها، علما أن هناك خطة لتجهيل الناس ليس في ما يتعلق بمخاطر الـ “سيانوبكتيريا” Cyanobacteria فحسب، وإنما حول تلوث أكبر مسطح مائي اصطناعي في لبنان، وثمة كثيرون لا يعلمون ما هو هذا اللون الاخضر، والأسوأ انهم لا يعلمون أيضا أن هذه المياة ترفد “بركة أنان” ضمن مشروع الليطاني ومنها الى بساتين شرق صيدا والقرى المستفيدة من سموم هذا النهر، ومن ثم إلى “معمل بول أرقش” لتوليد الكهرباء والبساتين المحيطة به، وإلى “معمل شارل الحلو” وصولاً إلى كل بساتين علمان ومدخل صيدا الشمالي.
مشاهد عصية على التصديق
اللافت للانتباه هنا، اختلاط وامتزاج مياه المعملين الملوثة بمياه الأولي، حيث يتم ري مزروعات سهل علمان وشرق صيدا وبعض مناطق من اقليم الخروب كالوردانية ومئات الخيم الزراعية الموجودة فيها، فإلى متى الاستهتار بصحة الناس؟
وسط ما شاهدنا ووثقنا من مشاهد قد تبدو للوهلة الأولى عصية على التصديق، كان لا بد من الاتصال بالمهندس غسان جبران من مصلحة مياه الليطاني للحصول على إجابات عن تساؤلاتنا، فأكد لـ greenarea.me “إحتواء البركة على الـ “سيانوبكتيريا” Cyanobacteria القادمة من القرعون كون هذه الاخيرة هي أحد مصادر المياه التي ترفد (بركة أنان) إلى جانب العين الزرقا وروافد أخرى صغيرة”.
وعن إفراغها أكد أنه “تم جر مياهها الى (معمل بول أرقش) لتوليد الطاقة ولم يتم ري أي من المزروعات منها”.
إلا أن بعض العاملين في “مشروع لبعا الزراعي النموجي”، أكدوا أن ري المشروع يتم عبر استعمال مياة البركة، وعند سؤالنا عما يفعلوه الآن بعد إفراغها من محتواها، قالوا أن “هناك أنبوبا قادما مباشرة من القرعون يتم إستعماله بشكل مؤقت، ويتم الري أيضا من مصادر أخرى”، وأكدوا أن “البركة أفرغت بسبب أعطال في الأنابيب ويجري العمل على إصلاحها”.
المنظومة المائية
الباحث الدكتور كمال سليم أكد أن “هذه المياه الملوثة بالبكتيريا والمعادن والكبريت تسبب أعطالا في الآلات وتؤدي الى إصابتها بالصدأ، وبالتالي إلى تلفها”، ولفت إلى أن استعمال المياه المشبعة بالبكتيريا لا يشكل خطرا على صحة وسلامة الإنسان فحسب، إنما قد يؤدي الى تلف الحديد وتعطيل الكثير من الآليات”.
وهذا إن دل على شيء فعلى الفساد في الدولة والاهمال الواضح من قبل مصلحة مياه الليطاني. أشارت التقارير بشأن تلوُّث بحيرة القرعون، ولا سيما أبحاث الدكتور كمال سليم، الباحث في “المركز الوطني للأبحاث العلمية” والأستاذ في الجامعة اللبنانية إلى وجود البكتيريا الزرقاء – الخضراء أو الـ “سيانوبكتيريا” Cyanobacteria “في كل من القرعون وبركة أنان”.
وأكد سليم لـ greenarea.me أن “هذه البكتيريا عاشت وتكيفت واكتسبت مقاومة تتيح لها التكاثر والإستقرار في المنظومة المائية لبحيرة القرعون ونهر الليطاني، وهي تسمى الزرقاء لاعتبارها كائن بكتيري مائي (اللون الأزرق) وفي نفس الوقت عندها ميزات نباتية (الخضراء)، أي تؤمِّن حاجتها من الطاقة من خلال عملية التمثيل الضوئي Photosynthesis كما كل الأنواع النباتية”.
“تنمو الـ (سيانوبكتيريا) Cyanobacteria في المياه العذبة والمسطَّحات المائية، وفقا للدكتور سليم، ويقول: “هناك أنواع عديدة من الطحالب نتيجة تلوُّث المسطحات المائية بالمواد العضوية والمغذيات، خصوصا عندما تستقبل هذه الأوساط تدفقات الصرف الصحي وبعض أنواع الصناعات الغذائية غير المعالجة، أو غير مكتملة المعالجة”.
عالية السمِّية تؤدي الـ “سيانوبكتيريا” Cyanobacteria إلى تخريب الشروط الملائمة لعيش الأسماك وللسباحة، ففي القرعون قضت على كل الكائنات الحية فيها، ما عدا سمكة الكارب التي يختزن لحمها السموم، وهذه الطحالب تُكسِب الوسط المائي رائحة كريهة ولونا قاتما، وتستهلك الأوكسجين الذائب في المياه مما يجعل الوسط المائي غير ملائم للحياة.
تنتج الـ “سيانوبكتيريا” Cyanobacteria الـ “توكسينات” Toxins، أي المواد السامة، وهذه الـ “توكسينات” عالية السمِّية على الحيوانات والأسماك وعلى الإنسان والبيئة. وهي سموم كبدية، أي أنها تسبب تأثيرا سميا كبديا، وسموما عصبية، وسموما جلدية أيضا، كما تشير بعض الدراسات إلى أن بعض هذه الـ “توكسينات” هي مسرطنة محتملة.
وقال سليم: “تتراكم الـسيانوبكتيريا وتوكسيناتها في سمك (الكارب) حيث تنتقل إلى جسم الإنسان عند استهلاكها، وكذلك يمكن لها أن تنتقل إلى الإنسان مع الهواء، ومع الرذاذ لتصيب السكان في المناطق الملوَّثة بهذه البكتيريا الطحلبية”.
(greenarea-فاديا الحج)