وبعيداً من مجموعة الروايات والسيناريوهات التي شهدتها الأيام الخمسة عشر التي أمضتها أزمة الإستقالة فإنّ ما يمكن أن يشهدَه لبنان من الغد يُفترض أن يُنظر اليه وفق معطيات جديدة مبنيّة على أحداث الأسبوعين المنصرمَين لتفسير الخطوات اللاحقة والمنتظَرة على أكثر من مستوى سياسي وحكومي قبل أن يكون دستورياً في الداخل. إضافةً الى قراءة التحوّلات الإقليمية الجاري بناؤها بقراراتٍ كبرى لم يظهر منها حتى الآن
سوى العناوين.
ويعتقد مراقبون يشاركون في حركة الإتصالات أنّ الدستورَ عُلِّق في الأسبوعين الماضيَين على حبل التوافقات السياسية التي جمّدت مفاعيلَ الإستقالة المفاجئة على رغم ما شابها من خروج على الأعراف والتقاليد أكثر من خروجها على الدستور. ذلك أنّ الأهم كان السعي الى ضبط الساحة الداخلية وحمايتها قبل العودة الى الآليات الدستورية التي ستفصل في الخطوات النهائية لرئيس الحكومة لطيِّ هذه المرحلة والشروع بما سيليها من إجراءات لاحقة.
قلّة تعتقد أنّ الحريري وعند عودته الى بيروت بعد استراحة قسرية في باريس قد يتراجع عن كتاب الإستقالة، لتنحصرَ التكهّنات والتوقّعات حول ما ستأتي به النسخةُ الجديدةُ منه، والتي سيؤكّد فيها ما جاء في النسخة الأولى من دون العودة الى مرحلة ما قبل 4 تشرين الثاني الجاري الذي حفرَ عميقاً في رسم الخطوط الحمر التي حدّدها في الأسباب التي دفعته الى الاستقالة، وإنّ تغيّر بعض العبارات فإنّ الجوهر باقٍ كما هو وبدقّة.
وعليه، يكشف المطّلعون على مضمون بعض الإتصالات والشروط المتبادَلة التي حكمت الوساطة الفرنسية في الأيام الأخيرة أنها حوّلت باريس محطةً موقتة بين أزمتين على الأقل. أزمةُ الإستقالة الأولى وتردّداتها الإقليمية والخليجية تحديداً، والإستقالةُ الثانية التي ستقود الى تردّداتٍ محض داخلية لا يمكن احتسابُ دقائقها وتفاصيلها من الآن.
وبمنطقٍ لا يخلو من الثقة المدعومة بكثير من الوقائع والمعلومات، فإنّ العناوينَ الأساسية التي ستحكم التطوّرات في قابل الأيام، وأيّاً كانت مسبّباتُها ونتائجُها، ستبقى تحت سقف الأمن والإستقرار الذي ينعم به لبنان.
ومردّ ذلك الى فشل كل المحاولات التي جرت لإذكاء الفتنة الداخلية فيه. فالأحكامُ التي أطلقها البعض في لحظاتِ الغضب والسيناريوهات التي بُنيت فسّر معظمها على أنها جاءَت قياساً على تقدير النّيات بما تكتنفه من غموض والتباسات عزّزت من لغة الإتّهامات المتبادَلة غير المبنيّة على أيّ وقائع دقيقة.
وفي المقابل فقد حفلت الساحةُ الداخلية بسيناريوهات أخرى بُنيت على الرغبات والتمنّيات فتساوى الجميع من مختلف الأطراف عند الكشف عن مواقفهم والنيات معاً. وقد عبّر عنها الجميع كل على طريقته وبأسلوبه، بما يخدم أهدافَه الداخلية في المواجهة المفتوحة في زمن التحضير للإنتخابات النيابية وما يرافقها من نزاعاتٍ داخلية بين أبناء الصف الواحد من جهة.
أو تلك التي تعهّد بها البعض بامتداداته الخارجية للقوى الإقليمية التي يعود اليها في المحطات السياسية الكبرى ولم تعد سرّاً بمقدار ما باتت أسلوباً يتباهى به البعض.
وبناءً على ما تقدّم، لم يعد سرّاً أنّ معظم المسؤولين يتهيّبون الموقف. فما هو آتٍ في الأيام المقبلة من استحقاقات على لبنان والمنطقة ليس نزهة، وانّ ما طوي من وجوه الأزمة لا يقدّر بخطورة ما هو آتٍ، خصوصاً على المستوى الداخلي إذا لم تواكبه رعاية خارجية مطلوبٌ منها أن تتدخل في التفاصيل اللبنانية المملّة. فليس هناك ما يدعو الى التنكّر للرعاية الدولية للتسوية التي عاشت لعام تقريباً، أيّاً كانت الإدّعاءات بعدم وجودها.
فقد تنكّر أبطالها لها على مدى أكثر من 14 شهراً الى أن إنفجرت. ولذلك فإنّ التعامي عن الحاجة الى تسوية جديدة مكابَرة في غير محلّها. فالبلد دخل في حقل ألغام ليس سهلاً عبوره من دون تنازلات صعبة مهما غلت كلفتها.
والى أن يعودَ الحريري الى بيروت مطلع الأسبوع المقبل ستعلو لهجاتٌ خافتة، وتتراجع أخرى. على وقع معطيات جديدة لن يتردّد الحريري الذي يُمسك بورقة الإستقالة في استخدامها متسلّحاً بتفهّم خارجي عربي ودولي ستظهر بشائرُه في مقرّرات مؤتمر وزراء الخارجية العرب غداً في القاهرة لتُضاف الى ما انتهت اليه مفاوضاتٌ حول خروجه من الرياض والتي أضافت أسراراً الى لائحة الأسرار التي تحدّث عنها في مقابلته التلفزيونية اليتيمة وهو ما سيفتح البابَ واسعاً أمام مزيد من المفاجآت التي ينبغي ترقُّبها ساعة بساعة.
(الجمهورية)