تصاعدت الصراعات بين أجنحة النظام الإيراني ووصلت حد تبادل التهم بـ”الفساد” و”العمالة للأجنبي” و”استغلال السلطة لممارسة القمع” بين كبار الشخصيات الإيرانية، سواء أولئك الذين في الحكومة أو خارجها ممن يطمحون للوصول إليها مع التيار المتشدد المقرب من المرشد الأعلى علي خامنئي والذي يهيمن على مراكز صنع القرار في البلاد.
وفي جديد هذه الصراعات، أغلقت السلطات أمس الخميس، صفحة الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، على الموقع الرسمي لمجلس تشخيص مصلحة النظام الذي هو عضو فيه، وذلك بعد ما هاجم عائلة لاريجاني التي تسيطر على القضاء ومجلس الشورى (البرلمان) واتهمها بالظلم والقمع والرضوخ للأجنبي”، على حد تعبيره.
حجب صفحة أحمدي نجاد على موقع مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني
كما اتهمها بالاستحواذ على السلطة والثروة والمناصب وبالمقابل اعتقال وتعذيب كل من ينتقدها، وذلك خلال كلمة ألقاها الأربعاء أمام حشد من أنصاره ومساعديه السابقين، الذين تجمعوا لمشايعة حميد بقائي المعاون الأسبق لأحمدي نجاد، الذي قرر الاعتكاف والاعتصام بمزار “شاه عبدالعظيم” الديني بدل الحضور لجلسة محاكمته التي كانت مقررة صباح أول أمس الأربعاء.
أحمدي نجاد ومعاونه بقائي ومستشاره الاعلامي جوانفكر
وقال أحمدي نجاد في كلمته التي نُشر مقطع منها على موقع “دولت بهار” التابع له، إن استدعاء مساعديه وأعضاء حكومته السابقين يأتي في إطار زيادة الضغوط عليه لعدم كشفه ملفات فساد رئيس القضاء آيت الله صادقي آمولي لاريجاني وأشقائه.
ويظهر في الفيديو حميد بقائي المعاون التنفيذي السابق لأحمدي نجاد، الى جانب مستشاره الإعلامي علي جوانفكر، وحبيب الله خراساني من كبار مسؤولي حكومته، والذي أعتقل سابقا لمدة 9 أشهر وذلك بتهم فساد، لكن أحمدي نجاد يقول إن مستشاره الإعلامي تم اعتقاله وتعذيبه لانتزاع اعترافات منه ضد رئيسه.
اعتصام ديني
وانضم خراساني وجوانفكر إلى بقائي في الاعتصام الديني، ونشروا بيانا مشتركا يخاطب الشعب ويتهم جهاز القضاء بتلفيق التهم وإقامة محاكم عرفية مسؤولية حكومة أحمدي نجاد التي حكمت لفترتين ( 2005 -2013).
من جهته، قال بقائي الذي اعتقل عدة مرات سابقا إن الهدف من هذا الاعتصام هو “الاحتجاج على أساليب السلطة القضائية الجائرة”، فيما أوضح جوانفكر قائلا: لم يكن لدينا حيلة أخرى غير التوسل لمزارات أئمة الشيعة لأن المحاكم لدينا عرفية”، على حد تعبيره.
اعتصام مسؤولي الحكومة السابقين في مزار شاه عبدالعظيم
ويعود طقس الاعتصام في المزارات الدينية الى العهد القاجاري (1779- 1925) إذ كان يلجأ المنتقدون الهاربون من الحكومة القاجارية إليها خوفاً من متابعة الأمن لهم.
ويعد اعتصام مسؤولي حكومة نجاد بهذه الطريقة سابقة من نوعها وأشد أنواع الاحتجاجات التي يمكن أن يقوم بها شخصيات من داخل نظام ولاية الفقيه.
صراع الأجنحة
ويقول مراقبون إن ظاهر الصراع الدائر هو على مكافحة الفساد لكنه في المضمون صراع أجنحة السلطة حيث يهيمن الجناح المقرب من خامنئي على القضاء والاقتصاد ومراكز صنع القرار ويستخدم ملفات الفساد لإزالة خصومه من خلال إدانتهم أو سجنهم أو فرض قيود وغرامات باهظة عليهم.
وتضع منظمة الشفافية الدولية إيران على رأس قائمة الدول الأكثر فسادا، وتحتل المرتبة 136 من أصل 175 دولة من حيث الفساد.
مصير أحمدي نجاد
ويقول مقربو أحمدي نجاد إن القضاء يمهد لفرض الحظر عليه كما هو الحال بالنسبة للرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، أو فرض الإقامة الجبرية كما هو حال زعيمي الحركة الخضراء، وهما رئيس وزراء إيران السابق مير حسين موسوي ورئيس البرلمان الإيراني السابق مهدي كروبي، وذلك بأمر من رئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني، الذي لديه خلافات شديدة مع كل من يعارض المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي.
وتزايدت الضغوط على أحمدي نجاد منذ أن تصاعدت خلافاته مع المرشد الأعلى علي خامنئي، خلال الانتخابات الرئاسية في مايو/أيار الماضي، عندما منعه المرشد من الترشيح بذريعة منع حدوث حالة “استقطاب” في البلاد، ما أدى لرفض مجلس صيانة الدستور الخاضع لهيمنة خامنئي، ترشيح الرئيس السابق ومعاونه حميد بقائي بحجة “عدم أهليتهما لخوض الانتخابات الرئاسية”.
وكان أحمدي نجاد قد شن هجوما ضد خامنئي، واتهمه بالتعالي على الشعب مشبها إياه بالشاه السابق الذي أطاحت به الثورة عام 1979.
ويُتهم أحمدي نجاد ومقربوه، باختلاس المليارات ونهب المال العام وكذلك فساد بالقطاع النفطي حيث اعتقلت السلطات الإيرانية في أغسطس الماضي، مهدي جهانغيري، شقيق اسحاق جهانغيري، نائب الرئيس الإيراني حسن روحاني، وهو نائب رئيس غرفة تجارة طهران، والذي تسلم عدة مناصب حكومية خلال حكومة الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، بتهم فساد مالية.
كما حكم القضاء بالسجن والغرامات على العديد من المسؤولين بحكومة أحمدي نجاد بينهم نائبه محمد رضا رحيمي، بتهم الفساد ونهب المال العام.
روحاني مع لاريجاني
من جهة أخرى يشتد الصراع بين جناح الرئيس الإيراني حسن روحاني المحسوب على جناحي المعتدلين والإصلاحيين داخل النظام ضد جناح المتشددين وعلى رأسهم صادق لاريجاني رئيس القضاء، ملفات الفساد تصاعدت خاصة بعد كشف الملياردير الشهير بابك زنجاني، المعتقل والمحكوم بالإعدام بقضايا فساد كبرى، عن منح أموال لروحاني لتمويل حملته الانتخابية في 2013 حيث تعرض روحاني إلى هجوم من قبل رئيس السلطة القضائية صادق آملي لاريجاني.
وجاء هجوم لاريجاني على روحاني عقب اتهامات وجهها نواب إصلاحيون بامتلاك رئيس السلطة القضائية 63 حسابا شخصيا في البنوك تدر أرباحا بالمليارات شهريا من فوائد هذه الحسابات وكذلك الكفالات المالية للمواطنين الذين لديهم قضايا في المحاكم.
روحاني و لاريجاني
وفي يونيو/تموز الماضي أقيل عدد من المسؤولين في الحكومة الإيرانية ورؤساء بنوك ومؤسسات مالية حكومية تورطوا بفضائح الرواتب النجومية بعد الكشف عن إيصالات رواتبهم التي تزيد عن 17 ألف دولار شهريا، ما يعني بأنهم كانوا يتلقون رواتب تعادل أكثر من عشرة أضعاف معدل الرواتب الاعتيادية للمديرين العاملين في الدولة.
كما يتهم المتشددون حكومة روحاني بفتح باب النفوذ الغربي والتوغل الأميركي في البلاد منذ الاتفاق النووي عام 2015.
صراع الأجنحة والفقر
وتأتي هذه الصراعات بين أجنحة السلطة وسط استياء شعبي واسع في إيران كشفت عن فارق طبقي كبير في ظل وجود ملايين العاطلين عن العمل وحوالي 15 مليون مواطن يعيشون تحت خط الفقر، فضلا عن الأزمات المعيشية والغلاء الفاحش وعدم تمكن الدولة من إعطاء أجور العاملين المتأخرة منذ عدة أشهر.
كما تشهد البلاد اضطرابات واحتجاجات عمالية متواصلة ضد تأخر الرواتب والأجور المنخفضة ومظاهرات ضد مؤسسات مالية تابعة للحرس الثوري صادرت أموال مئات آلاف المواطنين المودعة لديها بحجة الإفلاس.
تفشي الفساد
يذكر أن تفشي الفساد في أجهزة الدولة الإيرانية بلغ مستويات غير مسبوقة باتت تهدد مستقبل النظام حيث قال السياسي الإيراني والمرشح السابق لانتخابات رئاسة الجمهورية، أحمد توكلي، في تصريحات سابقة بأن النظام في إيران لن يسقط بانقلاب أو هجوم عسكري أو ثورة مخملية، بل إن استشراء الفساد هو ما سيؤدي إلى إسقاط هذا النظام”.
(العربية.نت)