ثمّة مَن يعتقد أنّ البحثَ في بنود التسوية الجديدة التي ستقوم على انقاض سابقتها وتحدّث الحريري عنها في الإطلالة التلفزيونية، عاد الى نقطة الصفر.
فقد اتّهم الحريري مجدّداً إيران و«حزب الله» بالخروج على أحد أبرز بنود تلك التسوية وهو مبدأ النأي بالنفس، أمرٌ رفضه رئيس الجمهورية و«الحزب» وشدّدا على أهمية أن يعودَ الحريري الى بيروت أولاً وليتحدّث عندها عمّا يشاء.
ويعترف مَن شارك في جوانب مهمة من الإتصالات «أنّ الإصرار على عودة الحريري من دون إعطاء أيّ ضمانات مسبَقة للبحث في مضمون الإستقالة وجوهرها السياسي لم يكن مقبولاً لدى الجانب الآخر.
فالقول إنّ الحريري «حرّ في أن يقول ما يشاء في بيروت لا يغيّر في واقع الأمور التي كانت سائدة». ولو كان له ما أراد لما حصلت أمورٌ كثيرة نبّه من تكرارها أو الإستمرار فيها بلا جدوى». ويضيف هؤلاء: «سبق للحريري أن نبّه الى زيارات بعض الوزراء لدمشق مرة وإثنتين وثلاث فلم يتجاوب أحدٌ معه.
وفي المرحلة الأولى شكر لرئيس الجمهورية إيعازه الى وزير الإقتصاد بعدم زيارة العاصمة السورية الى جانب وزراء من «حزب الله» وحركة «امل» و«المردة» طالما أنّ هذه الزيارت لم تحظَ بتغطية مجلس الوزراء لكنه فوجِئ بتبرير اللقاء الذي جمع وزير الخارجية جبران باسيل بنظيره السوري وليد المعلم في الأمم المتحدة، وهو ما أدّى الى تلك المواجهة التي شهدها مجلسُ الوزراء بعد سلسلة الإجتماعات هذه بين الحريري وباسيل ووزراء حزب الله و«امل» وبقي الآداء مستمرا على غاربه الى ان وجه بعض الوزراء اللبنانيين دعوات الى نظرائهم السوريين لزيارة لبنان من دون اي رادع.
وفيما كان المطلوب لحماية التسوية فرملة هذا التطور الذي لا يمكن ان يحتمله احد ابرز اطراف التسوية الذي بنيت معه، وهو رئيس الحكومة بالذات. فهو مَن جهد من أجلها وسعى الى جمع الموافقات الخليجية والأميركية والأوروبية عليها شرط أن يبقى لبنان في منأى عن تداعيات الخضّات الكبرى في محيطه.
وأن تحتفظَ الحكومةُ العتيدة بمنطق النأي بالنفس ووقف التدخّلات اللبنانية في الأزمات الخارجية. أو على الأقل وقف الحملات الإعلامية وتبنّي الإنتصارات المحقّقة ضد «داعش» و«النصرة» بجهد دول الحلف الدولي وروسيا وتركيا والولايات المتحدة الأميركية ايضاً وهو بالتأكيد ليس من صنع النظام السوري وحلفائه فحسب ليحتفل به وحده ويسعى الى استثماره في لبنان أو في أيِّ موقعٍ كان.
والى ذلك فقد تَوَّج «محور المقاومة» تصعيدَه في وجه الحريري ومِن خلفه السعودية ودول أخرى عربية وخليجية بزيارة مستشار الإمام الخامنئي للشؤون الخارجية لبيروت لتصبّ الزيت على النار، فطفح كيلُ الحريري وفاض الكيلُ السعودي من استمرار استباحة الساحة اللبنانية سورياً وإيرانياً فكانت الزيارةُ الملتبسة الى السعودية والإستقالة الملغومة التي يمكن تفسيرُها في أكثر من اتّجاهٍ وهدَفٍ في آن واحد، بعدما أطاحت في شكلها وتوقيتها بكل أشكال الخروج على الدستور والأعراف والتقاليد لتشكّل الصدمة الكبرى التي لم يخرج منها لبنان بعد.
وبمعزل عن إعادة التذكير بمجريات تلك المرحلة، وفي عزّ المعالجات التي أوحت بقرب عودة الحريري الى بيروت ليكون له ما أراد من الإستقالة وما فيها وما يريده منها بعدما وصفها بأنها كانت رسالةً قاسيةً لتشكّلَ صدمةً لا بدّ منها لتصحيح مسار السياسة الخارجية اللبنانية وإعادة تصويب آلية تطبيق التسوية التي تمّ التنكّرُ لها عاماً كاملاً لتقعَ تحت مقصلة الإعدام والسقوط المدوي. فقد جاءت الجولة الديبلوماسية التي بدأها وزير الخارجية على الدول الأوروبية وهيئات الإتّحاد لتزيدَ في الطين بلّة ولتعقّد الأمورَ اكثر.
وهو أمر أشارت ونبّهت اليه دار الفتوى التي تعالج الموقف بالتنسيق مع المراجع الرسمية بروية وموازنة دقيقة تستخدم فيها «ميزان الجوهرجي» في علاقاتها التاريخية والدينية مع «خادم الحرمين الشريفين» وعلاقتها البنوية والسياسية مع الحريري لتأمين عودته الى بيروت في أفضل الظروف التي تسمح له بأن تستعيد ما فقدته التوازنات الدقيقة بين السنّة والشيعة، وما فقده موقعُه في السراي الحكومي الكبير من هيبة ووقار، على ما نُقل عن أحد أركانها.
وعلى وقع الحراك الديبلوماسي وتفسيره على أنه شكوى مباشرة ضد الممكلة وملكها ووليّ عهدها برزت التحضيراتُ لمؤتمر وزراء الخارجية العرب مع ما استشعره كثرٌ من مواجهة متوقّعة بين لبنان والمملكة، فتعقّدت كلّ الخطوات التي يمكن أن تعيد الحريري الى بيروت قبل الأحد لإمتحان الموقف اللبناني من مضون الشكوى السعودية إثر إطلاق الصاروخ الإيراني من اليمن في اتّجاه الرياض.
ثمّة مَن يقول إنّ جولة باسيل الأوروبية وما رافقها، فتحت ملفّ عودة الحريري على أفق أوسع فبات البحث جدّياً في دور «حزب الله» في اليمن، فالشكوى السعودية على إيران بسبب الصاروخ البالستي الذي سقط في الرياض، ستتحوّل الأحد المقبل شكوى ضد «حزب الله» في مواجهةٍ هي الأولى ما بين بيروت والرياض على وقع الرفض العربي للأدوار الإيرانية وهو ما يعقّد الأمورَ وقد يقود الى مواجهة شاملة بين لبنان والعرب والدول الخليجية، فهل يقوى عليها؟.
وعليه ومن دون التوسّع كثيراً في السيناريوهات السلبية وفي الوقت الذي يجري التحضير لموكب مصفّح ومتطوّر جديد للحريري ليتحرّك بواسطته في بيروت وفريق أمني جديد من الكوماندوس، عاد البحثُ الى الضمانات المسبَقة بموقف لبناني واضح من الشكوى السعودية المتطوّرة من «صاروخ إيراني بالستي» طاول الرياض الى دورٍ لـ«حزب الله» في إطلاقه والتدريب على الأسلحة في اليمن في وقت تضمن السعودية موقفاً خليجياً وإسلامياً ودولياً مؤيّداً في مواجهة الدور الإيراني و«حزب الله» في اليمن والمنطقة. وعندها سيُطرَح السؤالُ الوجيه: الى جانب مَن ستكون الديبلوماسية الدولية؟ فهل ستنقلب على لبنان فيخسر معركة استعادة الحريري؟