أجواء الارتياح التي أثارتها إطلالة الرئيس سعد الحريري التلفزيونية، في أوساط اللبنانيين، يبدو أنها لم تصل إلى بعض الأوساط السياسية، وخاصة أوساط فريق رئيس الجمهورية.
من المفترض أن يتم التعامل مع حديث الحريري بنفس مستوى التهدئة والاستيعاب للأزمة، والذي برهن رئيس الحكومة المستقيل من خلاله أنه رجل دولة، وزعيم وطني، نذر حياته لخدمة وطنه، مهما بلغت التحديات والتهديدات التي تواجهه.
وعوض الانصراف إلى معالجة النقاط الأساسية التي طرحها الحريري في مقابلته التلفزيونية، وفي مقدمتها إنقاذ التسوية المتداعية من الانهيار، والعودة إلى البنود الأساسية التي تم التوافق عليها، عشية انتخاب العماد ميشال عون رئيساً، وفي مقدمتها اعتماد سياسة النأي بالنفس، وإبعاد لبنان عن النيران المشتعلة في المنطقة، والحفاظ على توازن المعادلة الوطنية في السلطة، عوضاً عن كل ذلك، نسمع كلاماً مسرباً من محيط الرئيس، وكأن المقابلة لم تحصل، وكأن الغموض هو سيّد الموقف، وكأن التشكيك هو الطريق الوحيد لمعالجة الأزمة التي يتخبط فيها البلد!
من الرفض المسبق للاعتراف بمصداقية الإطلالة التلفزيونية، إلى منع بعض القنوات من بثها، إلى التصعيد الدبلوماسي الذي بدأه الوزير جبران باسيل، إلى الكلام الملتبس للمستشار الرئاسي الزميل جان عزيز عن «معلومات أكيدة» لحصول ما يشبه الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، إلى التهديد بالذهاب إلى مجلس الأمن.. وغيرها كثير، كلها مؤشرات تدفع للمواجهة مع السعودية ودول الخليج، بدل العمل على تهدئة الأجواء، وفتح قنوات الحوار، وإيجاد الصيغ المناسبة لمعالجة أسباب الأزمة وجذورها!
ما يجري في كواليس بعض الأطراف السياسية المحسوبة على العهد، يوحي وكأن المطلوب هو استبدال العلاقات الأخوية التاريخية بين لبنان والسعودية، إلى حالة من العداء، تكرّس ابتعاد لبنان عن محيطه العربي، وانتقاله إلى المحور الإيراني، من دون الأخذ بعين الاعتبار تداعيات مثل هذا الخيار على مصالح لبنان واللبنانيين!