اسبوع بالتمام والكمال انقضى على عاصفة استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري من دون جلاء غبار ملابساتها، على رغم الاستنفار السياسي الرسمي على اعلى المستويات وبلوغ اصدائها الدول العظمى التي فتحت خطوط تواصلها واتصالاتها مع المعنيين في المملكة العربية السعودية ولبنان واصدرت مواقفها التي تركزّت في شكل خاص على ضرورة الحفاظ على الاستقرار الداخلي وعدم انفجار الصراع الاقليمي السعودي- الايراني في بيروت.
وفي موازاة رباعية المشاورات الرئاسية الشاملة التي اجراها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في قصر بعبدا منذ الثلثاء الماضي، تحركت بقوة دفع غير اعتيادية عجلة القطار الفرنسي بحثا عن مخرج يقي لبنان خطرا لا بد سيصيبه جراء الغضب السعودي الذي شكلت استقالة الرئيس الحريري بما احاط بها من ملابسات سقفه الاعلى، خصوصا ان باريس تلمست هذا الخطر فعليا وشعرت بمدى العزم السعودي على المضي قدما بمسارها ليس فقط ضد حزب الله الذي تتهمه باستهداف امنها الاستراتيجي الداخلي من خلال تدريب الحوثيين، بل كل من يؤيده او يغطيه في لبنان. وفي هذا المجال تكشف مصادر عربية في باريس لـ”المركزية” عن قلق كبير ينتاب فرنسا وخشية على لبنان في ضوء التطورات الاخيرة تعزز بعيد زيارة الرئيس ماكرون الى السعودية، حمله على ايفاد مستشاره للشؤون الخارجية اورليان دو شوفالييه الى بيروت للمكوث فيها على مدى ايام بما يفسح في المجال امام متابعة دقيقة للوضع اللبناني ونقل رسائل ذات طبيعة وصفت بالمهمة لجهة المخارج المتاحة، وقد اجرى ماكرون اليوم اتصالا هاتفيا بالرئيس ميشال عون مؤكدا دعم لبنان ووحدته واستقراره. وتوازيا ، تشير الى ان ماكرون سيوفد وزير خارجيته جان ايف لو دريان الى الرياض لاستكمال مهمة ترتكز الى مبادرة فرنسية قوامها ثلاث نقاط تتقاطع في جزء منها مع ورقة لبنان التي حملها مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم الى فرنسا وقبلها عمّان تنص على:
1- عودة الرئيس الحريري الى بيروت.
2- تقديم استقالته شخصيا الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
3- اعادة تكليفه لتشكيل الحكومة من دون ان يشكلها فعليا فيستمر على رأس حكومة تصريف اعمال حتى موعد الانتخابات النيابية في الربيع المقبل، بحيث يمكن خلال هذه الفترة ان تتظهر طبيعة الامور على المستوى الاقليمي وتحديدا الصراع السعودي- الايراني الذي تجري محاولات دولية لايجاد حل له، وفي الوقت نفسه تهدأ النفوس ويبقى لبنان محافظا على استقراره السياسي والامني والاقتصادي الموضوع اليوم في دائرة الخطر، على رغم كل التطمينات، وعلى قاعدة “عند تغيير الدول إحفظ رأسك”.
وتشرح المصادر في النقطة الثالثة تحديدا ان عدم تشكيل حكومة جديدة مردّه الى ان الجميع يدرك ان لا امكانية لتأليف حكومة سياسية في هذا الظرف من دون حزب الله، ولا مجال لتشكيل حكومة تكنوقراط مرفوضة سلفاً والحل الامثل يبقى في تصريف الاعمال الى حين جلاء ملابسات التأزم الاقليمي.
ومع ان المبادرة الفرنسية قد تقف عند حدود التصلّب السعودي الا اذا اقتنع حزب الله، كما تقول المصادر، بأن يضع زيتا في نبيذه، ويقدّم ولو قليلا مصلحة لبنان على غيرها، ما دام “الموسى وصل الى ذقنه”، فإن باريس ومن منطلق رهانها على ان التصعيد السعودي المضطرد قد يكون مقدمة لتسوية كبرى تنقذ لبنان ماضية في جهودها ولن تتراجع ما دام الامل موجودا ولو بالقدر اليسير.
المركزية