قد يكون الهاجس الأمني الذي حضر في بعبدا أمس، أوّلَ ما شغل بالَ اللبنانيين عندما سمعوا خطابَ استقالة الرئيس سعد الحريري من رئاسة الحكومة المفاجئ، واستسلموا للتحليلات والمعلومات المرتبطة بالوضع الأمني والتي ذهبت بالاتّجاهِ السلبي، خصوصاً أنّ حديثَ الحريري عن إحباط عملية اغتيال كانت تتحضّر لاستهدافه عزّز هذه المخاوف، إذ شبّه الفترة التي تمرّ فيها البلاد بتلك التي سبقت اغتيال والده الشهيد رفيق الحريري، مُرجِعاً سببَ استقالته لتجنيب البلاد اضطراباتٍ أمنيةٍ كانت ستلحق بها، وما رافق هذه المعلومات من تأكيدٍ تارةً ونفيٍ طوراً.
وفي السياق، طمأن مصدر أمني الى أنّ الأجهزة الأمنية أجمعت على أن لا أساس للمخاوف الأمنية المنتشرة بناءً على المعطيات والتحاليل التي تملكها، وإن كان لا يمكن الجزم بنسبة مئة في المئة أنّ الوضع ممسوك.
وأوضح لـ«الجمهورية» أنّ لبنان يتعامل على ثلاثة مستويات من الأخطار في مثل هذا الوضع:
• الخطر الأوّل هو ذاك الذي يتربّص بحدود البلاد، خصوصاً الجنوبية منها بعدما حُرِّرت الحدود الشرقية وسيطر الجيش عليها، وبعدما تمّ تأمينُ الحدود الشمالية، إلّا أنّ التقارير كافة تؤكّد أن لا تحرّكات إسرائيلية تشير الى خطر من جهة الحدود الجنوبية، وتتقاطع هذه المعلومات مع تقارير متوافرة عند «اليونيفيل».
• أما الخطر الثاني فيتمثل في العمليات الإرهابية التي قد تقوم بها جهاتٌ خارجية عن طريق تفجير سيارات أو إغتيال شخصيات سياسية، إضافة الى العمليات الإرهابية التي قد تقوم بها الخلايا الإرهابية النائمة التي سبق وحذّر منها أكثرُ من مسؤول أمني وعسكري، كاشفين أنّ الحربَ العسكرية التي انتهت مع هذه الخلايا، تحوّلت حرباً أمنيةً في الداخل، وهو ما لا يمكن القضاء عليه مئة في المئة تماماً كما يحصل حالياً في أوروبا وأميركا، إلّا أنّ الضربات الإستباقية التي سدّدتها وتسدّدها الأجهزة الأمنية حققت نتيجة، إذ قضت على البنية التحتية واللوجستية لهذه المجموعات أو أضعفتها، قاطعةً الطريق أمامها لتنفّذ عملياتها الإرهابية، ولا زال العمل ضدها مستمراً، كما أنّ هناك رصداً دائماً للأماكن التي قد تشكّل بيئةً حاضنةً لها ولمداخل البلاد براً وبحراً وجواً.
• فيما يمكن اختصار الخطر الثالث بالإضطرابات الأمنية التي قد تحصل نتيجة أوضاع سياسية معيّنة، كالتظاهرات أو حرق الدواليب وإقفال الطرقات وغيرها من الأساليب التي شهدتها المراحل السابقة عند الأزمات السياسية التي كانت تصل لمراحل تحتاج الى نوعٍ من انفجارٍ ما بهدف تغييرِ مسارها.
في هذا المجال، تملك الأجهزة الأمنية خططاً جاهزة للتعامل مع كل حالة من هذه الحالات ضمن الأطر التي يحفظها القانون، وضمن قرار سياسي كبير متوافر ويقضي بمنع الإخلال بالأمن والتعرّض للمواطنين ولمصالحهم ولأمن الدولة، ويجزم بأنّ الاستقرار هو خطٌّ أحمر يُمنع لأيٍّ كان تحت أيّ ظرف، العبث فيه، خصوصاً بعد الإنجازات الأمنية والعسكرية التي تحققت.
إجتماع بعبدا
وتحت هذه العناوين، يمكن إدراجُ الإجتماع الأمني- القضائي الذي انعقد في بعبدا أمس بدعوةٍ من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وفي حضور قادة الأجهزة الأمنية والقضائية، حيث عرض القادةُ التقاريرَ الموجودة لديهم والتي تقاطعت كلها مع فكرة أن ليس هناك أيُّ خطر على الوضع الأمني، بل حتى إنه أفضل من الفترات السابقة وإنه ممسوك والأجهزة حاضرة لمواجهة أيّ أحداث شغب قد تطرأ على الوضع، وستردّ على أيِّ محاولة لضرب الاستقرار.
وفي هذا السياق، دعت مصادرُ مشارِكة في الإجتماع، اللبنانيين الى عدم الأخذ بالشائعات التي تنتشر وألّا يخافوا، فالوضعُ مضبوطٌ ضمن الأصول وليس هناك مخاطر.
وبرزت في الإجتماع إشادةٌ من الحاضرين بالوعي السياسي الذي يتحلّى به الأطراف الذين استوعبوا «الأزمة» التي حصلت وأبقوا الموضوع محصوراً ضمن الإطار السياسي، وما عزّز هذا الوعي هو عدم رضوخ أيٍّ من الأطراف للتصعيد الذي شهدته الفترة الماضية، حيث إنهم واللبنانيين يعرفون قيمة الإستقرار الذي ينعم به لبنان في ظلّ ما يشهده محيطه.
بدورها، قالت أوساط وزارية لـ«الجمهورية» إنّ الحديث عن «اهتزازات أمنية في ظلّ هذه الظروف هو أمرٌ طبيعي، حيث إنّ هناك أطرافاً تحاول الإستفادة من هذه الظروف لتحقيق مكاسب سياسية من خلال جوّ الضغط الذي يخلقه هذا الموضوع على الساحة الاقتصادية التي تهتزّ نتيجة هكذا معلومات، والحركة في البلد التي تُشلّ، ومن جهة أخرى لاعتقادهم أنهم بذلك ينشئون أرضيةً صالحةً في حال اضطُرّوا لتجييش الرأي العام والنزول الى الشارع لقلب الموازين.
عملُ الوزارات مستمرّ
وأكّدت الأوساط لـ«الجمهورية» أنّ الحكومة ستُكمل عملها حالياً طالما أنّ رئيس الجمهورية لم يتّخذ القرار في الاستقالة، وأنّ الوزراء يعملون بشكلٍ طبيعي حيث إنّ استقالة أيّ رئيس حكومة ليست بالأمر الخارج عن المألوف، وبالتالي هناك آليات دستورية وقانونية تحدّد الوسائل الواجب اعتمادها في هذه الحال، وكيفية استكمال النشاطات، في ظلّ الغطاء السياسي الموجود للأجهزة الأمنية والعسكرية لتقوم بدورها لأنّ الأطراف السياسية كافة مُجمعةٌ على عدم تعريض الإستقرار الداخلي للخطر، أكان اقتصادياً أو اجتماعياً أو أمنياً، كما أنّ هناك قراراً إقليمياً دولياً لتأمين مظلّة لهذا الاسقرار.
(الجمهورية)