يصف النائب البطريركي العام المطران بولس الصيّاح زيارة البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي للمملكة العربية السعودية خلال الأسبوعين المقبلين بـ «التاريخية». وهي الصفة نفسها التي أطلقها القائم بأعمال السفارة السعودية الوزير المفوض وليد البخاري، على الزيارة عقب تسليمه الدعوة إلى الراعي في الصرح البطريركي في بكركي الأربعاء الماضي، حيث قال إنّ «الزيارة تعتبر من أهم الزيارات الرسمية، وهي تاريخية».
لا شكّ أنّ التقاطع بين السعودية والبطريركية المارونية في توصيف الزيارة يدّل إلى الأهمية التي يوليها الجانبان لهذه الزيارة، وإلى أهميّتها بحدّ ذاتها من حيث توقيتها ومضمونها في لحظة تشهد تحوّلات مصيرية كبيرة في المنطقة وحتى في العالم بأسره، ليس على المستويات السياسية فحسب وإنمّا على صعيد التعايش بين مختلف الحضارات والثقافات الإنسانية.
وهو ما أكّدته تغريدة وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان على موقع «تويتر» أمس، والتي جاء فيها أنّ «زيارة غبطة البطريرك بشارة الراعي المرتقبة للمملكة تؤكد نهج المملكة للتقارب والتعايش السلمي والانفتاح على جميع مكونات الشعوب العربية».
من هنا يؤكدّ الصيّاح في اتصال مع «المستقبل» أنّ «الزيارة تاريخية بالاستناد إلى معطيين، الأوّل أنّها الزيارة الأولى التي يقوم بها بطريرك ماروني إلى السعودية، والثاني أنّها تؤكّد التقارب السعودي – اللبناني، واللبناني ـ العربي بالنظر إلى فاعلية السعودية ودورها المميز في العالم العربي».
ويرى أنّ الزيارة «رسالة إلى المسيحيين في العالم وليس إلى المسيحيين اللبنانيين فحسب، إذ على العالم أن يدرك أنّ الإسلام والمسلمين ليسوا ضدّ المسيحية والمسيحيين». موضحاً أنه «بعد صعود التطرّف الإسلامي في الفترة السابقة، والاتهامات التي سيقت بحقّ السعودية بشأنه، تأتي هذه الزيارة لتدحض هذه الإتهامات، مبيّنة أنّ نهج السعودية نهج تواصل وتلاقٍ مع سائر الثقافات والأديان العالمية».
من جهته، يشدّد عضو كتلة «المستقبل» النائب سمير الجسر على أنّ «الزيارة خطوة مهمّة من جانب الممكلة العربية السعودية، وهي سابقة فريدة من نوعها إذ لم يسبق أن زار بطريرك ماروني السعودية من قبل». ويقول: «هذه الزيارة ستكون لها انعكاسات إيجابية على مجمل الوضع اللبناني، إذ هي إشارة أساسية إلى اهتمام المملكة بلبنان على جري عادتها».
وإذ يؤكد على «الموقع السياسي والوطني لبكركي منذ قيام الكيان اللبناني»، إلّا أنّه يرى أن الزيارة ليست «سياسية بالمعنى الضيق للكلمة»، معتبراً أنّها «تأتي في سياق سياسة الانفتاخ التي تنتهجها المملكة واهتمامها بالحوار بين الأديان والحضارات».
بدوره، يلفت النائب السابق فارس سعيد إلى أنّ زيارة الراعي للسعودية هي زيارة «فوق سياسية، ولا تندرج في إطار اللقاءات السياسية التي حصلت في المملكة في الآونة الأخيرة»، موضحاً أنّ «الزيارة لا تأتي ضمن سياق 8 و14 آذار، أو الموالاة والمعارضة، أو ضمن الإصطفاف مع أو ضدّ سلاح حزب الله». ويشير إلى أنّ «الزيارة تعكس رغبة واضحة لدى السعودية في تأكيد خيارها الأساسي في الإنفتاح على الأديان كما الحضارات الأخرى»، مشيراً إلى أنّها «اختارت الكنيسة المارونية من أجل ذلك».
ويتابع: «هذه الزيارة تحمل رسالتين، الأولى من جانب السعودية بأنّها تولي اهتماماً كبيراً للتواصل والحوار مع الآخر المختلف، والثانية من جانب الكنيسة المارونية التي تحمل تاريخاً عريقاً في العيش المشترك يؤهّلها للعب دور كبير في المنطقة والعالم في ظل أزمات التعايش بين الثقافات والأديان المختلفة».
وعليه، يشدّد سعيد على أنّ «الزيارة بالغة الأهمية، ومن دلالات هذه الأهمية أنّ الدعوة إلى البطريرك الراعي صادرة من جانب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وهذه المرّة الأولى في تاريخ المملكة التي يدعو فيها الملك رسمياً أحد أحبار الكنيسة الكاثوليكية في لبنان والعالم».
فضلاً عن ذلك، فإنّ الزيارة بحسب سعيد هي «تأكيد على اهتمام المملكة بالوضع اللبناني»، لافتاً إلى أنّها «تبيّن التناقض بين قوى إقليمية تسلّح فئات لبنانية وقوى عربية تقف إلى جانب الكنيسة في لبنان».
(المستقبل)