وعليه يعترف أكثر من مسؤول أنّ بعضاً من الإنجازات لم يكتمل بعد، على وقع الاتّصالات الجارية لترميم العلاقات بين أهل البيت الواحد والحلفاء الجدد. وهو ما يظهر جلياً عند تعدادهم بعض ما تحقّق بدءاً بتشكيل الحكومة التي ترجَمَت بتركيبتها التحالفات التي أثمرت الإستحقاقَ الرئاسي وقامت على أنقاض ما كان يُسمّى بـ«8 و14 آذار»، والتعيينات في المواقع العسكرية والأمنية والشاغر منها في المواقع الإدارية وصولاً الى قانون الإنتخاب والمناقلات والتشكيلات القضائية الى الموازنة العامة.
وللدخول في التفاصيل المتعلّقة ببعض هذه القضايا، فقد اهتزّت التركيبة الحكومية أكثر من مرّة من دون أن تقع، فالخلافات بين مكوّناتها عبَرت مطبّات قاسية ولم يجرِ بعد استيعابُ كامل تردّداتها، بدليل أنّ التهديد باستقالات من الحكومة ما زال وارداً إن لم ينجح أهل الحكم في تطويق ذيول بعض ما جاءت به التعيينات القضائية والإدارية الأخيرة وما تعثّر منها الى اليوم، عدا عن تلك التي يمكن أن تأتي بها بعض القرارات الحكومية المطروحة على بساط البحث عندما تقارب ملفات خلافية جرى ربطُ النزاع بشأنها من دون التفاهم على طريقة مقاربتها والمخارج والحلول والصيَغ المقترَحة التي ما زالت قيد البحث.
وأبرز هذه الملفات ما يتّصل بالعلاقات اللبنانية – السورية وما بين لبنان ودول الخليج العربي، ما عدا تلك التردّدات السلبية التي خلفها النزوح السوري وما يرافق المناقشات الجارية لمعالجته من صراعات اختلطت فيها العوائق الإدارية والأمنية بتلك الأممية المتحكّمة بملف النازحين واللاجئين والقوانين التي تحكمها، عدا عن إدخال البعض هذا الملف في أتون الصراعات السياسية تحضيراً للإنتخابات النيابية المقبلة وما يفرضه الإستعداد لها من سباق على تبنّي العديد من المواقف الديماغوجية، وتلك المبنيّة على قاعدة الخلافات القائمة بين اللبنانيين تجاه النظام السوري تحديداً والفشل في الإعلان عن مناطق سورية آمنة كاملة المواصفات تدفع الى إعادة النازحين اليها.
ولذلك كله لم تنجح بعد المساعي لتوحيد الموقف اللبناني من هذه المعضلة ولا سيما على مستوى كيفية المعالجة وموضوع التشاور او الإتصال بالنظام السوري لتسهيل العودة في ظل إنقسام حاد بين موقفين أحيا موقتاً الصراع بين طرفي «8 و14 آذار» رغم انحلال التركيبتين واندثارهما في إستحقاقات كثيرة عاشتها البلاد.
لذلك كانت قضية تعيين السفير اللبناني في سوريا إحدى تجلياتها بعدما عبّر البعض في جلسة مجلس الوزراء أمس الأوّل عن رفضه تقديم اوراق اعتماد السفير الجديد الى السلطات السورية قبل ترتيب وضع النظام مع الجامعة العربية، في وقت كان السفير قد وصل الى دمشق استعداداً لتقديم اوراق إعتماده وطيّ هذه الصفحة بحكم الأمر الواقع، فبقيت الملاحظات ضمن جدران جلسة مجلس الوزراء ولم تُنتج الإعتراضات أيَّ موقف متردّد لدى الجهة الداعمة لإحياء التمثيل الديبلوماسي المتبادَل بين بيروت ودمشق.
ويبدو أنّ الخلاف على آلية قانون الإنتخاب يمكن ضمُّه الى لائحة القضايا والإستحقاقات التي لم تكتمل فصولاً بعد، ولا سيما أنّ تفاعلات الخلاف حول هذه الآلية تطوّرت الى مرحلة بدأت تترجَم من خلالها الخلافات على قضايا عدة وتحديداً من خلال المواجهة التي لم تنتهِ فصولاً بين وزيرَي الداخلية والخارجية وتوسّعت لتطاولَ أداءَ الوزارتين في مجالات أخرى حيوية تعني الناس في قضاياهم اليومية.
هذا عدا عن الخلاف على التسجيل المسبَق للناخبين والذي بات عقدةً مستعصية يقف فيها وزير الخارجية في مواجهة معظم أعضاء اللجنة من حلفائه وخصومه على السواء.
وانطلاقاً ممّا تقدّم، وامام زحمة الملفات المفتوحة على اكثر من مسار، يبدو لأهل الحكم والمعارضة معاً أنّ «سباقاً سلحفاتياً» ما زال قائماً لتوفير المخارج لبعض العقد المستعصية، وذلك في موازاة المساعي المبذولة في كثير من دوائر الأصدقاء المشترَكين والمواقع الأمنية المتخصّصة في ترتيب التوافقات السياسية والإدارية لحماية الحدّ الأدنى من التضامن بين اهل الحكم والحكومة.
فتشهد البلاد حالات نفور عابرة تهدّد لبعض الوقت الكثير ممّا تحقّق من إنجازات قبل أن تتبخّر هذه الخلافات من دون أن يفهم كثر حقيقة ما تمّ التفاهم بشأنه.
وهو ما يوحي بأنّ البلاد محكومة بالتوافق بين أهل الحكم أيّاً كانت الظروف، على قاعدة أنّ مَن يتقدّم خطوةً في هذا الملف اليوم عليه الإستعداد غداً للتراجع في ملف آخر، وهو ما يمكن ترجمته بلعبة توازنات دقيقة.