القراءة الاميركية والسعودية لهذا الموضوع، على ما يقول سياسيون متابعون ومعنيون، هي قراءة مزدوِجة تقول بمجملها إنّ الجمهورية الاسلامية الايرانية تريد تعميمَ نموذج «حزب الله» في العراق واليمن وغيرهما، لأنه في ضوء تدخّله في سوريا تحوّل نموذجاً يوجب تعميمه، ومن هنا فإنّ واشنطن والرياض تريان ضرب الحزب يشكل ضرباً لعصفورين بحجر واحد: ضرب النموذج وضرب تأثيره على ساحات فلسطين ولبنان وسوريا.
وعلى هذا الأساس انتقلت الاولوية لدى الرياض وواشنطن من مواجهة «داعش» التي باتت عملياً في حكم المنتهية الى مواجهة «حزب الله».
وفي ظل هذه القراءة، يقول هؤلاء السياسيون إنّ هناك تفصيلاً اساسياً يتمثل بالتساؤل: هل إنّ المواجهة ضد «حزب الله» يجب أن تكون في سوريا ولبنان؟ أم تكون حصراً في سوريا، وكيف؟.
ولكنّ هذا التساؤل يحكمه توجّهٌ اميركي مبني على ثلاثة اعتبارات اساسية ترجّح أن تتمّ مواجهة الحزب في سوريا وليس في لبنان:
• الاعتبار الاول يتعلّق بالنازحين السوريين في لبنان.
• الاعتبار الثاني يتعلّق بإسرائيل، إذ إنّ مواجهة «حزب الله» في لبنان قد تفتح الباب لمواجهة مع إسرائيل.
• الاعتبار الثالث أنّ مواجهة الحزب في سوريا يجب أن تبقى محصورة فيها لأنها إذا تمدّدت الى لبنان ستأخذ الطابعَين المذهبي والطائفي.
ولهذه الاعتبارات فإنّ التركيز ينصبّ على أن تكون المواجهة ضد الحزب في سوريا، ولكن ليس معروفاً كيف ستكون طبيعتها، وعلى هذا الاساس فإنّ اللقاءات التي بدأ المسؤولون السعوديون يعقدونها مع مسؤولين وقيادات لبنانية تتركز حول نقطتين:
• الاولى، إبلاغ هؤلاء المسؤولين والقيادات السياسية اللبنانية أنّ المواجهة مع «حزب الله» في سوريا آتية وباتت أمراً مفروغاً منه.
• الثانية، على الدولة اللبنانية أن تأخذ مسافة من «حزب الله» لكي تتجنّب انتقال المواجهة معه في سوريا الى لبنان.
وفي ظلّ هذا الوضع فإنّ التصعيد الكبير الذي بدأت تشهده المنطقة ستكون له انعكاساته على الداخل اللبناني، وكأنّ الفرصة التي أُعطيت للبنان مع التسوية السياسية التي جاءت بالعماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية والرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة قد شارفت على الانتهاء، أقله في النظرة السعودية ـ الأميركية، وبالتالي فإنّ السؤال هنا هو: الى أيّ حدّ سيتمكّن لبنان من النأي بنفسه عن تلك المواجهة؟ وهل إنّ «حزب الله» سيُبقي المواجهة معه محصورة في سوريا على غرار ما يفعله منذ دخوله الى الحرب السورية وحتى اليوم؟ وهل سيتجنّب توجيهَ الرسائل الى أعدائه من لبنان حتى لا يعطيهم ذريعة لإستهدافه على الاراضي اللبنانية؟
وهل إنّ القوى السياسية اللبنانية المناوِئة للحزب في وارد التصعيد سياسياً ضده في عودة الى الاشتباك والانقسام السابقين؟ وهل إنّ ما بعد عودة الحريري من زيارته الاخيرة للسعودية ستكون كما قبل ذهابه اليها، أم إنه سيُضطر الى مواكبة التصعيد السعودي ضد «حزب الله»، ولو بالحدّ الأدنى، حفاظاً على علاقته بالمملكة اولاً، وبالبيئة التي ينتمي اليها ثانياً؟ وهل سيستطيع لبنان أن ينتزع قراراً دولياً، واقليمياً، أيّ سعودياً ـ إيرانياً، بإبقاء نفسه في منأى عن هذا النزاع المستجدّ؟
لا شك، يقول السياسيون المتابعون إنّ لبنان هو الآن في عين العاصفة، وإنّ ما اعلنه وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان قبل ايام قد تمّ تأكيدُه والتشديد عليه في اللقاءات التي عقدها وليّ العهد ونائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع الامير محمد بن سلمان وغيره من المسوؤلين السعوديين الآخرين مع الحريري في الرياض، إذ إنهم ابلغوا اليه أنّ ما اعلنه السبهان من مواقف إزاء «حزب الله» والوضع في لبنان إنما تُعبّر عن سياسة المملكة العربية السعودية واستراتيجيتها في هذه المرحلة، وإنّ الاستقرار في لبنان هو في يد اللبنانيين في حال نجحوا في منع «حزب الله» من استخدام الساحة اللبنانية لتوجيه رسائل الى مَن يريد اولاً، وفي إبقاء الموقف الرسمي اللبناني مختلفاً عن موقف الحزب، ثانياً.
وكل هذا المشهد يتزامن مع دخول البلاد في مدار الاستحقاق النيابي الذي بدأ ينعكس على المواقف السياسية، وبالتالي لا بد من أن يرتفع منسوب الحماوة في المواقف السياسية • الانتخابية، وقد يكون من الصعوبة في مكان العودة الى الاصطفافات القديمة، أي 8 و14 آذار، ولكن من غير المستبعَد أن تبقى وتيرة المواجهة السياسية على ما هي عليه الآن من دون العودة الى الإطار الاداري السابق للنزاع.
وكذلك من دون استبعاد اعتماد أطر إدارية وتنظيمية جديدة، غير أنّ هذا لا ينفي أنّ هناك محاولات لفريق 8 آذار من اجل تحضير نفسه لمواجهة ما في المرحلتين الراهنة والمنظورة، وذلك في موازاة محاولات حثيثة لقوى 14 آذار للمزاوجة ما بين الحرص على علاقتها الاستراتيجية بالمملكة العربية السعودية، وبين الاستقرار في لبنان، وإذ يتوقّف كثيرون عند التلميحات السعودية • الأميركية الى أنّ على اللبنانيين تحمّل مسؤولياتهم لأنّ الاستقلال لا يأتي على طبق من فضة، فإنّ المشهد الذي بدأ يرتسم في الافق الآن مقلق جداً، في رأي كثير من المتابعين والذين يتساءلون بإلحاح الى أيّ مدى يمكن الاتصالات الخارجية والداخلية أن تحافظ على التسوية واستطراداً الاستقرار في لبنان؟