قطعاً لدابر الشك والتشكيك ومنعاً لأي تشويش مفتعل أو تشويه ممنهج لحقيقة موقفه إزاء الاستحقاق النيابي، قالها رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري بكلام مسؤول أمام الدولة والناس: «أرفض تأجيل الانتخابات ولو لساعة واحدة». بهذا الموقف الحازم الذي لا يقبل اللبس والتأويل، خاطب الحريري المجتمعين في اللجنة المكلفة تطبيق القانون الانتخابي خلال التئامها أمس في السراي الحكومي، مشدداً حسبما نقلت مصادر حكومية لـ«المستقبل» على وجوب «أن تجرى الانتخابات في موعدها وعدم جواز عرقلتها بذريعة الإصلاح»، مع إشارته إلى أنّ الهدف الأساس من القانون الجديد هو ما يتيحه من نقلة نوعية إلى النظام النسبي، أما الإصلاحات فهي على درجة عالية من الأهمية لكن ما يتعذر تحقيقه منها اليوم يمكن اعتماده في وقت لاحق ولا يجوز أن يؤدي إلى عرقلة أو تأجيل الاستحقاق برمته.
وبعد الأجواء التشاؤمية المتشنجة التي عبّر عنها كل من الوزيرين طلال أرسلان وجبران باسيل بعد الاجتماع، آثرت «المستقبل» استيضاح عدد من الوزراء المشاركين في اللجنة حول مجريات البحث والنقاش الذي دار أمس، فأكدوا تعليقاً على مواقف كل من أرسلان (الذي اعتبر أنّ الموضوع بات كناية عن «طبخة بحص») وباسيل (الذي حمّل وزارة الداخلية مسؤولية التأخير الحاصل في التحضير للانتخابات)، أنّ «هناك مسألتين في حقيقة الأمر تعرقلان مسار الانتخابات. الأولى تتصل بالخلاف الحاصل حول
التسجيل المسبق في الدوائر خارج منطقة النفوس (ميغا سنتر) لمن يرغب بالتصويت خارج منطقة نفوسه، والمسألة الثانية تتعلق بالدخول في دائرة الخطر الزمني في ما يخص إمكانية إصدار بطاقات بيومترية للناخبين سيما وأنها ضرورية لإتاحة التصويت خارج دائرة النفوس».
وإذ يشدد المشنوق على أنّ «التسجيل المسبق خارج أماكن القيد بات محتّماً لكن من دون البطاقة البيومترية يصبح تحقيقه أمراً مستحيلاً»، رسمت مصادر المجتمعين خارطة مواقف الأفرقاء السياسيين على نحو برز في خطوطه العريضة نقطة لافتة للانتباه تتمحور حول تراجع «حزب الله» أمس عن موافقته السابقة على البطاقة البيومترية حين طرح الحزب على لسان الوزير محمد فنيش خلال الاجتماع إلغاء هذه البطاقة بشكل يتعارض تماماً مع مفهوم التسجيل المُسبق الذي يفرض وجودها، وهو ما فاجأ المشاركين في اجتماع اللجنة الوزارية إلى درجة دفعت وزير «المردة» يوسف فنيانوس إلى مخاطبة فنيش قائلاً: «لماذا تعيدوننا إلى الوراء؟ كنا قد اتفقنا على البطاقة البيومترية والأمور متجهة في هذا السياق، فنتفاجأ اليوم أنكم تريدون إلغاءها! ما الهدف من ذلك؟ رجاءً فلنكمل من حيث انتهينا، الخلاف اليوم هو على التسجيل المسبق أما البطاقة البيومترية فهي أمر منتهي ومحسوم».
وبينما يبدو، كما لاحظت المصادر، أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري ومعه «حزب الله» يصران على اعتماد التسجيل المسبق من دون البطاقة البيومترية، برز في المقابل اعتبار باسيل أنّ «الإصرار على التسجيل المسبق يهدف إلى تقييد حرية الناخب والإفساح في المجال أمام من يزوّر أن يستمر في التزوير» الانتخابي، مشيراً إلى أنّ «التسجيل المسبق هو من الشروط الإضافية التي يضعها البعض على قانون الانتخاب من دون أن يكون هناك اتفاق عليها».
وعن الاتهامات المتبادلة التي خرجت على الإعلام بشكل واضح إثر الاجتماع، أوضحت المصادر أنها شملت عدة أطراف خلال مجريات النقاش، فمن جهة اتهم «حزب الله» حزب «القوات اللبنانية» بعرقلة مسار الانتخابات ربطاً بإثارة بلبلة وإشاعة أجواء غير صحيحة توحي بوجود صفقات وشبهات خلف موضوع البطاقة البيومترية، ومن جهة أخرى اتهم باسيل وزارة الداخلية بعرقلة الانتخابات متوجهاً إلى المشنوق بالقول: «حيناً تؤكد أنك تستطيع إنجاز البطاقة البيومترية وحيناً آخر تقول العكس، علماً أننا إذا ألغينا البطاقة و»الميغا سنتر» نكون قد جرّدنا التمديد النيابي من أهدافه». فردّ وزير الداخلية مشدداً على كونه لم يناقض نفسه في هذا الموضوع إنما كان واضحاً منذ البداية وحتى اليوم حيال مسألة المهل الدستورية وقدرات وزارة الداخلية، وأردف مضيفاً: «لا تستطيع الوزارة التنفيذ من دون قرار سياسي، اتفقوا ما إذا كنتم تريدون تسجيلاً مسبقاً أم لا، فالوزارة في حزيران كانت جاهزة وقادرة على ذلك أما اليوم فدخلنا دائرة الخطر الذي تتحمل مسؤوليته القوى السياسية لعدم اتخاذها حتى الآن قراراً حاسماً بشأن التسجيل المُسبق».
المصادر التي نوهت بكون رفض كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس الوزراء لاعتماد التسجيل المُسبق مردّه إلى خشيتهما من أنّ ذلك من شأنه أن يقيّد حرية الناخب، كشفت أنّ الحريري طلب الموافقة على إقرار سلفة خزينة بقيمة 72 مليون دولار في جلسة مجلس الوزراء اليوم للبدء بإعداد البطاقة البيومترية وغيرها من المصاريف والأمور المستعجلة التي تتيح التقيد بإجراء الانتخابات النيابية المقبلة في موعدها، لافتةً الانتباه إلى أنّ كلفة إنجاز البطاقة البيومترية لا تتخطى 2,6 مليون دولار خلافاً للأرقام المضخّمة التي يروّج لها في هذا الخصوص.
مسودة النازحين
واليوم، تلتئم اللجنة الوزارية الخاصة بمتابعة ملف النازحين لمناقشة مسودة خاصة بسبل معالجة هذا الملف أعدتها وزارات الداخلية والخارجية وشؤون النازحين بالتعاون مع فريق عمل رئيس مجلس الوزراء، وأوضحت مصادر مواكبة لإعداد هذه المسودة أنّها «تحدد الأسس التي يرتكز عليها مبدأ عودة النازحين بشكل يوجب أن تكون عودة آمنة وكريمة وغير قسرية»، وأفادت «المستقبل» أنّ اجتماع اللجنة اليوم سيناقش «الإجراءات اللازمة لتنظيم وجود النزوح السوري وتقليص أعداد النازحين في لبنان فضلاً عن اتخاذ إجراءات محددة سواءً بالنسبة للعمالة ولتسجيل الولادات أو في ما يتصل بالسوريين الذين لديهم مشكلة في مستنداتهم وأوراقهم الثبوتية»، معربةً عن اعتقادها بحصول توافق حول مضامين المسودة بين أفرقاء اللجنة إن لم يكن خلال اجتماع اليوم ففي الاجتماع الذي سيليه تمهيداً لرفعها إلى مجلس الوزراء.
المستقبل