الفنان المعتزل فضل شاكر بريء من قتْل عناصر من الجيش اللبناني ومن تُهم الإرهاب… هذا فحوى الحكم الغيابي الذي صدر عن المحكمة العسكرية الدائمة في 28 سبتمبر الماضي بحقّ شاكر الذي تمّ تجريمه بتهمٍ أخرى أدت إلى الحكم عليه بالسجن لمدة 15 سنة مع الأشغال الشاقة وتجريده من حقوقه المدنية، وذلك في ختام المحاكمات في القضية المعروفة بـ «أحداث عبرا» (صيدا) التي وقعت صيف 2013 بين مجموعة الشيخ أحمد الأسير (حُكم عليه وجاهياً بالإعدام) وبين الجيش اللبناني.
وبعيد صدور الحكم غرّد شاكر، المتواري منذ أحداث عبرا، عبر «تويتر» مطْلقاً مواقف عدة، منها أن «الذي تعامل مع الاحتلال الإسرائيلي تم حكمه سنتين فقط، والذي قتل (الرئيس) رفيق الحريري لم يجرؤ أحد على حكمه أو إلقاء القبض عليه، والذي فجّر مساجد طرابلس حرّ طليق. لكن مَن وقف بوجه (الرئيس) بشار (الأسد) وقال كفى، يتم حكمه ظلماً 15 عاماً مع الأعمال الشاقة، شكراً لعدالتكم»، قبل أن يوجّه تغريدته الأخيرة منذ أيام إلى الإعلام في لبنان، حيث قال: «بالرغم من أن عدالة المحكمة منقوصة إلا أن أحكامها كانت أكثر إنصافاً من الإعلام اللبناني الذي استبق القضاء وأعلنني إرهابياً بناء على تقارير المُخْبرين المُفْسدين. اليوم ظهرتْ براءتي جزئياً وإن غداً لناظره قريب».
ماذا يقول شاكر في «أول الكلام» بعد الحكم عليه، وماذا يعني بالنسبة إليه ما خاص إليه الحكم بحقه من أن فضل «ليس قاتلاً ولا إرهابياً»؟… «الراي» حاورتْ الفنان المعتزل الذي كان مالئ الساحة الفنية وشاغِل ناسها قبل أن يَجْذبه «صخب» السياسة وتُبْعده ملابسات أحداث عبرا.
لا يتردّد شاكر في الردّ على سؤال حول ما قَصَده حين كتب في تغريدة بعد صدور الحكم بحقه «ظهرتْ براءتي جزئياً وغداً لناظره قريب»، ويقول: «قرار المحكمة رَفَع عني تهمة قتْل شهداء الجيش أو التورّط في التحريض على ذلك في معركة عبرا وغيرها أو حتى القيام بأفعال تهدّد أمن البلد أو المواطنين بأيّ شكل من الأشكال، كما برّأتْني من تهمة التحريض الطائفي وإثارة النعرات والفتن».
وماذا تبقى إذاً؟ يجيب: «فقط اتهامي بمناصرة الضحايا الأبرياء من الأطفال الذي يُقتلون كل يوم بطائرات النظام السوري. اعتبَروا ذلك إهانة وإساءة لدولة شقيقة! أنا ما زلتُ على موقفي ضدّ سفْك الدماء في سورية وضدّ جرائم قصف المدنيين. وإذا كنتُ أرفض العنف في سورية، فأنا بالتأكيد أرفضه في لبنان، ولذا أعتبر ملفي إنسانياً وسياسياً بامتياز، وليس فيه أي شقّ جنائي».
وماذا يقول فضل للجميع بعدما قال القضاء انه «ليس قاتلاً»؟، يردّ: «أقول إن البراءة من تهمة القتل هي أول السبحة وستكرّ جميعها حتى أحصل على البراءة، لأن ما تمّ بناؤه على تهمة باطلة سينهار، والجميع يعرفون فضل شاكر. وفضل لم ولن يتغيّر، أنا ابن الناس وسأبقى مع الناس، مع الذين وقفتُ معهم ووقفوا معي وذلك حتى تَتَحقق العدالة».
وعندما نسأله: أعربتَ عن عتب على الإعلام اللبناني الذي استبقَ القضاء وأَعْلنكَ «إرهابياً بناء على تقارير المُخْبِرين المُفْسِدين». ما سرّ هذا العتب ومَن هم المُفْسِدون؟ يجيب: «الإعلام حوّل نفسه سلطة قضائية، يَحكم على المتهَم قبل معرفة الأدلّة أو سؤال الشهود، وكل ذلك بناءً على ما يتمّ تَدوُاله من شائعاتٍ بين الناس أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وقد تعرّضتُ لظلم كبير وتشويه صورتي من القريب والبعيد في فترةٍ ما، ولكن الحمد لله اليوم الجميع باتوا يعرفون الحقيقة، وهذه الحقيقة يجب أن يعترف بها الإعلام اللبناني ويَتراجع عن أسلوبه باتهام الناس المسبق ومن دون انتظار قرار المحكمة».
وعن وصْف البعض الأحكام التي صدرتْ في قضية أحداث عبرا بالمتشدّدة، وبماذا يتوجّه إلى هذه المحكمة التي قال إنه رغم عدالتها المنقوصة إلا أن أحكامها كانت أكثر إنصافاً من الإعلام؟، يقول: «العدالة لن تكتمل من دون قرار البراءة، ولذلك قلتُ إن العدالة في المحكمة العسكرية منقوصة، لكنها تعاملتْ مع الأدلة المادية التي قدّمناها عبر المحامية زينة المصري بشكل جدي، ووصلنا لنقطة متقدّمة، وما زلنا مستمرّين حتى الحصول على العدالة الكاملة ونيْل البراءة».
وعن انقسام الوسط الفني حول قضيته بين مَن وقف معه وضدّه، وأيّ رسالة يوجّهها في هذا الإطار؟ يقول لـ «الراي»: «إلى كل مَن هم في الوسط الإعلامي، وإلى كل من عرف فضل شاكر، أحب إخباركم أنني كإنسان لم ولن أتغيّر، وإذا كنتُ أحمل اليوم مواقف سياسية فهي انطلاقاً من مبدأ إنساني، فأنا لا أستطيع في يوم من الأيام الوقوف مع ظالِم أو السكوت عن الظلم، فكيف إذا كان الموضوع يتعلّق بالأطفال والنساء والمعتقَلين والمرضى والمهجّرين؟ لم أحمل أفكاراً تكفيرية ولا مذهبية أو طائفية ولا عنصرية، وما زلتُ كما كنتُ، إنساناً يقف مع أخيه الإنسان».
وهل تَواصل معه أيّ من الفنانين بعد تبرئته من تهمتيْ القتْل والإرهاب، ومَن هم؟ يردّ: «منذ اليوم الأول لاتهامي، لم ينقطع تواصلي مع بعض الفنانين الذين كانوا واثقين من براءتي، وآخرون كان يرسلون لي سلاماً عبر آخرين بشكل غير مباشر، لأن التهمة كانت تخيفهم من التواصل المباشر. لكن اليوم أنا على تواصل مع عدد كبير من المحبّين والمُخْلصين بعدما أثبتتْ المحكمة براءتي من التهمة الأساسية، وجميعهم يعبّرون عن تَضامُنهم واستعدادهم لتقديم كافة المساعدات الممكنة».
الحكم الذي صدر دان شاكر بثلاث جرائم من أصل سبعة مدعى عليه فيها من النيابة العامة العسكرية، وهي بحسب ما قالت وكيلته المحامية زينة المصري لـ «الراي»: «أولاً تأليف مجموعات عسكرية بقصد ارتكاب الجنايات على الناس والأموال والنيل من سلطة الدولة وهيْبتها والتعرض للمؤسسة العسكرية، ثانياً اقتراف فعل بقصد إثارة عصيان مسلّح ضد السلطات القائمة بموجب الدستور، وثالثاً نقْل سلاح حربي غير مرخص»، في حين أبْطلتْ المحكمة العسكرية التعقبات عنه في التهم الأربعة الأخرى وهي «قتْل ضباط وأفراد من الجيش اللبناني أثناء قيامهم بالوظيفة، ما يعني عدم مشاركته بمعركة عبرا، ثانياً حيازة واقتناء مواد متفجّرة بقصد القيام بأعمال إرهابية، وثالثاً القيام بأعمال إرهابية، ورابعاً القيام بأفعال ترمي إلى إيجاد حالة ذعر وإثارة النزعات المذهبية والعنصرية والحضّ على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمة».
هذا الحكم اعتبرتْه المصري «الحكم – القرينة، الذي يشكّل الدليل الثابت والواضح على أن شاكر بريء كل البراءة من الجرائم المسندة إليه ولا سيما أن العصيان المسلّح غير موجود أصلاً، والسلاح كان مرخّصاً بموجب رخصة ممنوحة لموكبه من وزارة الدفاع الوطني، بالتالي لا يمكن ملاحقته بتهمة حيازة سلاح من دون ترخيص».
وأضافت: «بعد الحكم لم يعد ممكناً لأحد القول إن فضل شاكر إرهابي، وإنه قَتَل عناصر من الجيش. وسبق أن قلتُ قبل المحاكمة إنه بريء، فلا أحد من الشهود في الملف قال إنه شارك في معركة عبرا، كما أن الفيديوهات التي عُرضت على مدى أكثر من سنتين من المحاكمة لا أَثَر له فيها، ولم يَثبت ضلوعه في المعركة أو حتى تحريضه عليها، ولذلك صدر قرار بإبطال التعقبات بحقه بسبب عدم ارتكابه للجرم، وهذا أقوى من البراءة؛ فحكم البراءة على شخص يعني أن الأدلة منعدمة أو غير كافية، في حين أن إبطال التعقبات يعني عدم ارتكاب المتهَم الجرم بتاتاً».
المصري وبعدما استغربت التعتيم الإعلامي على الشقّ المتعلق بالحكم والقاضي بإبطال التعقبات عن شاكر، مستذكرة ما قاله فضل في وقت سابق من أن «الإعلام جرّمه قبل أن يجرّمه القضاء»، تساءلتْ: «لماذا لم يصرّح الإعلام عن حيثيات الحكم؟ نعم في السابق، كانت هناك محاولة لزجّ شاكر وإبقائه في خانة الإرهاب والخروج عن سلطة الدولة ومواجهة الجيش اللبناني وقتاله وقتْله، لكن ماذا الآن؟».
«مدة المحكومية للجرائم التي حُكم بها شاكر كبيرة»، لكن المصري أكدت: «نحترم كلمة القضاء الذي نَمْثُل أمامه، والحكم الصادر بحق شاكر لا يُميَّز بل يُعترض عليه أمام المحكمة التي أصدرتْه، كون المحاكمة كانت غيابية، وبالتالي فإن الإجراء القانوني الذي يجب أن يتّبعه الآن الموكل هو الاعتراض على الحكم الغيابي وهذا ما يَتطلب المثول الشخصي أمام المحكمة». وشرحت: «لا يزال بإمكان شاكر الاستفادة من مرحلتيْ محاكمة، الأولى هي الاعتراض على الحكم الغيابي الصادر بحقه، كما يستطيع الاستفادة من مرحلة لاحقة وهي نقض الحكم الذي يمكن أن يَصدر نتيجة المحاكمة الوجاهية».
وعما إذا كان شاكر ينوي اتخاذ هذه الخطوات، أجابت: «لم نتّخذ قراراً حتى الآن. الحكم – القرينة هو الخطوة الأولى في الطريق إلى تحقيق براءة فضل الكاملة، أما الآلية التي سنتبعها فسنعلن عنها في وقتها».
(الراي)