جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / أبرز الأخبار / إقرار الموازنة من دون قطع حساب: دولة خارجة على الدستور
مجلس النواب

إقرار الموازنة من دون قطع حساب: دولة خارجة على الدستور

بتاريخ 29/9/2017، وافق مجلس الوزراء اللبناني على إحالة مشروع قانون معجّل الى مجلس النواب يرمي الى إضافة مادة الى مشروع الموازنة العامة والموازنات المُلحقة لعام 2017. هذه المادة تنص على ما يأتي: “على سبيل الاستثناء ولضرورات الانتظام المالي العام، يُنشر هذا القانون (قانون الموازنة) وعلى الحكومة إنجاز عملية إنتاج جميع الحسابات المالية المُدقّقة منذ 1993 حتى سنة 2015، ضمناً خلال فترة لا تتعدّى السنة اعتباراً من تاريخ نفاذ هذا القانون، وإحالة مشاريع قوانين قطعها الى مجلس النواب عملاً بالأصول الدستورية والقانونية المرعية”.

بمعنى آخر، تنص هذه المادة على نشر قانون الموازنة من دون إجراء قطع حساب المتوقف منذ عام 2003، وذلك خلافاً لأحكام المادة 87 من الدستور اللبناني التي تنص على “أن حسابات الإدارة المالية النهائية لكل سنة يجب أن تعرض على المجلس ليوافق عليها قبل نشر موازنة السنة الثانية التي تلي تلك السنة…”، بمعنى أن قانون موازنة عام 2017 لا يمكن نشره إلا بعد إقرار قطع الحساب حتى سنة 2015.
بهذا المعنى، يغدو اقتراح إضافة هذه المادة على قانون الموازنة بمثابة مخالفة إضافية للدستور.
المادة 87 من الدستور تفرض بصورة واضحة إلزامية قطع الحساب قبل نشر قانون الموازنة
يقول الوزير السابق، المحامي زياد بارود، إن المادة 87 من الدستور “لا تقبل الاجتهاد، وهي تفرض بصورة واضحة إلزامية قطع الحساب الذي تُسميه المادة بالحسابات النهائية، وبالتالي إن إقرار الموازنة من دون قطع الحساب هو انتهاك صريح للدستور”. في المقابل، يشرح بارود، أن “الدستور لا يُعدّل بقانون عادي، بل له آلياته الخاصة، من ضمنها لجوء الحكومة الى إعداد قانون دستوري وهو ليس متحققاً في هذه الحالة”، إذ إن الحكومة تطلب فعلياً تعديل مادة دستورية أو تعليق العمل بها عبر إضافة مادة في مشروع قانون الموازنة.
يُشير بارود الى أنه “حتى لو أراد مجلس النواب الذهاب الى تعليق المادة 87 من أجل إقرار قانون الموازنة من دون قطع حساب، فإن هذا الأمر سيفتح نقاشاً دستورياً وقانونياً في غاية التعقيد، إذ سيُعدّ بمثابة تعليق للدستور، الأمر الذي يجعل الطعن بدستورية هذا القانون بديهياً وواضحاً لجميع الحقوقيين”. ينطلق بارود من هذه النقطة ليجزم أن عدم قطع الحساب مرتبط بإشكالية سياسية لم تكن جزءاً من التوافق السياسي الذي أفضى الى إقرار مشروع الموازنة.
بذلك، تكون السلطة السياسية قد أمعنت في مخالفة الدستور، وأضافت عبر لجوئها الى إضافة هذه المادة مخالفة جديدة الى مخالفات جمة كانت تنتهجها في آلية إنفاقها طوال أكثر من 12 عاماً.
يقول أحد القضاة السابقين في ديوان المحاسبة (تمنى عدم ذكر اسمه) إن “أي موازنة من دون إجراء قطع حساب هي موازنة خاطئة وساقطة؛ وأي قطع حساب من دون حساب مهمة هو خاطئ وساقط؛ كذلك إن أي موازنة من دون ميزان دخول هي موازنة خاطئة ولا يُعوّل عليها”. يرى القاضي أن الإجراء الذي سيتخذه مجلس النواب (إقرار الموازنة لقاء تعهد وزارة المالية بإجراء قطع حساب) هو إجراء شكلي ومخالف للدستور وللقوانين، لافتاً الى أن المهلة التي أُعطيت لوزارة المالية من أجل إنهاء قطع الحساب لا يمكن أن يُعوّل عليها. ويُضيف في هذا الصدد: “لو أُمهلت وزارة المالية سنوات طويلة، فإنها أعجز من أن تُجري قطع حساب، ذلك أن الفوضى التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة في مسألة الإنفاق وخلط الحسابات لن تسمح بالتوصل إلى إجراء قطع حساب وفقاً للأصول والقانون”.
من جهته، يرى المُدير التنفيذي لـ”المُفكّرة القانونية”، المحامي نزار صاغية، أن مجلس النواب يُقدم على مخالفة دستورية صريحة وواضحة، لافتاً الى أن الموازنة “ستبقى نظرية فقط من دون قطع حساب”، موضحاً الآتي: “قطع الحساب هو الوسيلة التي تسمح لنا بمعرفة ماذا أنفقنا من الموازنة، وعدم إجراء قطع الحساب يعني تغييب عامل المُحاسبة الأساسي والضروري في الانتظام المالي”.
ماذا عن القول بأن إقرار الموازنة بهذا الشكل يأتي نتيجة استحالة قطع الحساب، وبالتالي القبول بإقرار الموازنة عوضاً عن الاستمرار من تغييبها طوال أكثر من 12 عاماً؟ يُجيب صاغية أن الدولة تكون قد ارتضت أن تكون “خارج الدستور”، لافتاً الى استحالة القول بأن ما يقوم به مجلس النواب هو “دستوري”، ومُشيراً الى أن النواب أنفسهم هم من يتحمّلون مسؤولية استحالة إجراء قطع الحساب، فهم إما “متواطئون مع من يُخفي مصير الأموال التي أُنفقت عبر عدم إحالتهم الى المُحاكمة، وإما يُدركون كيف أُنفقت الأموال ولا يُريدون الإعلان والمصارحة”.
اتصلت “الأخبار” برئيس المجلس الدستوري، عصام سليمان، إلا أنه رفض التعليق، وقال إنه “لن يُعطي رأياً مُسبقاً بقضية قد توضع أمام المجلس في الأيام المُقبلة”. وفي قوله هذا إشارة واضحة الى إمكانية الطعن بدستورية القانون نظراً إلى المخالفة الصريحة التي ينص عليها.
وكان المجلس الدستوري قد أبطل في قراره (الرقم 5) الصادر في 22/9/2017، قانون الضرائب الأخير قبل إعادة إقراره في مجلس النواب، وورد في متن قراره أن انتظام المالية “لا يتم إلا من خلال موازنة سنوية، تقدر فيها الواردات والنفقات لسنة قادمة، ويُعمل على تحقيق التوازن في ما بينها، وتتضمن إجازة بالجباية والإنفاق… وأن الواردات والنفقات الحقيقية تتطلّب إجراء قطع حساب في نهاية كل سنة مالية”.

(الاخبار)