في قراءة سياسية موجزة لتطورات الوضع السياسي الداخلي، مشهدا ومناخا ومسارا وخارطة تحالفات وعلاقات ومصالح، يمكن الخروج بالملاحظات والخلاصات التالية:
١ ـ لبنان بات جزءا من وضع إقليمي بالغ الدقة والتعقيد ورازحا تحت تأثير ثلاثة عوامل ضاغطة عليه وتطوله بشكل مباشر وهي: الاستراتيجية الهجومية الأميركية الجديدة ضد إيران، وخصوصا ضد نفوذها وأذرعها في المنطقة وفي مقدمها حزب الله/ الاستراتيجية الروسية في إيجاد تسوية للأزمة السورية بالتنسيق مع الولايات المتحدة وفي إطار صفقة شاملة/ الصراع المحتدم إقليميا.
٢ ـ إذا كان لبنان أنهى العام ٢٠١٧، وهو العام الأول من عهد الرئيس عون، بعدد وافر من الإنجازات وتحرير ملفات محتجزة ومكدسة (قانون الانتخابات سلسلة الرتب والرواتب الموازنة التشكيلات القضائية والديبلوماسية والأمنية…)، فإنه يتأهب لدخول العام ٢٠١٨ والسنة الثانية من العهد بكمية وافرة من الترقب والحذر والقلق بسبب الضغوط الدولية والإقليمية (العقوبات والتهديدات والصراعات) التي تضع استقراره السياسي (الحكومة والانتخابات) والأمني والاقتصادي على محك الاختبار وفي دائرة الخطر… ويبقى أن الاقتصاد هو نقطة الضعف الأساسية ومكمن القلق الأول متقدما للمرة الأولى على الأمن والسياسة.
٣ ـ حزب الله المتابع باهتمام وقلق الحملة الأميركية المنسقة ضده، مرتاح الى الوضع الداخلي ومتأكد من أن الحكومة صامدة وأن الانتخابات ستجري في موعدها، وسيكون المستفيد الأكبر من قانون الانتخاب الجديد. وأكثر ما يريح حزب الله في هذه المرحلة:
٭ مواقف الرئيس ميشال عون التي توفر «تغطية وحماية» للمقاومة وعلاقتها التكاملية مع الجيش وتعكس ثباتا استراتيجيا في خطابه السياسي الذي لم يتغير بعد الرئاسة.
٭ أداء الرئيس سعد الحريري الذي يتمسك بالاستقرار والحكومة، سواء كانت حكومة ربط نزاع كما يسميها أو حكومة شراكة كما يسميها حزب الله.
ويصل الأمر بحزب الله الى إصدار إشادات غير مألوفة بالحريري واعتباره الخيار الأنسب والأفضل لرئاسة الحكومة في هذه المرحلة، والى حد التأكيد من الآن أنه باق رئيسا للحكومة سواء فاز بالانتخابات أم خسر وخرج أضعف وبكتلة أقل.
ولقاء كليمنصو الثلاثي المنسق بين حزب الله والرئيس بري كان من أهدافه احتضان الحريري والتخفيف عنه في مواجهة الضغوط الكبيرة التي يواجهها.
٤- يواجه الحريري ضغوطا كبيرة لحمله على إجراء تغيير في سياسته بحيث تصبح أقل مسايرة و«استسلاما» لحزب الله، وخاصة من جهة أركان الطائفة السنية الذين يأخذون عليه التساهل المفرط مع حزب الله الى حد تقديم تنازلات غير مبررة، والأداء الضعيف في الحكم الى حد السماح لرئيس الجمهورية باستحداث أعراف جديدة وتقويض مكتسبات الطائف.
والسؤال المطروح هذه الأيام هو عن مدى قدرة الحريري في تحمل ومواجهة هذه الضغوط وفي استمرار هذا المسار الداخلي الذي لا يؤاتي مصالحه الانتخابية، والذي جعل أنه لم يعد هناك بيئة سنية حاضنة لسياسته ومواقفه.
5 ـ هناك توتر سياسي متصاعد بين التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل وبين مجمل القوى والأحزاب السياسية ما عدا حزب الله:
ـ توتر مستجد مع تيار المستقبل يضع في خطر التحالف الانتخابي الذي كان شبه محسوم ولم يعد مؤكدا. وإذا كانت تصريحات وزير الداخلية نهاد المشنوق تعبر عن رأيه الشخصي وليس عن رأي الحريري، فإنها بالتأكيد تعكس مناخا جديدا لدى المستقبل تجاه باسيل ترجم في مقاطعة شاملة للجولتين التي قام بهما في عكار والبقاع الغربي.
ـ توتر متواصل مع الحزب الاشتراكي كان بدأ مع مقاطعة النائب وليد جنبلاط للرئيس عون (عدم زيارة قصر بعبدا عدم الترحيب بالرئيس عندما زار الشوف مرتين لحضور احتفال في دير القمر ولعقد جلسة مجلس الوزراء في قصر بيت الدين).
وبلغ نقطة الذورة مع إقدام باسيل على تنفيذ عملية اقتحام سياسي في منطقة عاليه مطالبا بالعودة السياسية الى الجبل وبإكمال المصالحة المنقوصة والعودة الجزئية.
ـ توتر خفي مع القوات اللبنانية بدأ يخرج الى العلن وتجاوز الحد المسموح به في عملية حفظ اتفاق المصالحة وصيانته. ويحصل هذا التوتر لأسباب سياسية تتعلق بالموقف من النظام السوري وحزب الله، ولأسباب أخرى لا تقل أهمية تتعلق بالشراكة في الحكومة والدولة.
الملاحظ أن اللقاء الثلاثي في كليمنصو كان من أهدافه تطويق حركة باسيل ونفوذه وطموحاته، والملاحظ أيضا أن القوى الثلاث تحرص على الفصل والتمييز بين الرئيس ميشال عون والوزير جبران باسيل، فتحيد رئيس الجمهورية وتحصر حملتها برئيس التيار.
ولكن هذا الفصل لا يتناسب مع واقع الحال، فاستهداف باسيل يصيب بشكل أو بآخر العهد ويعد استهدافا غير مباشر للرئيس عون.
(الانباء الكويتية)