أثار المقال الذي تناول فيه الزميل عبد السلام تركماني الرئيس نجيب ميقاتي متهماً إياه بالتآمر مع النظام السوري لقلب حكومة الرئيس سعد الحريري ، الكثير من الجدل . بشكل خاص عندما عمد ميقاتي إلى رفع دعوى في وجه الزميل عبد السلام ، طالباً حسم الموقف في إتهامٍ بالغ الخطورة ، من قبل القضاء ، قبل أن يتبلّغ بمرض الزميل تركماني فيتنازل عن القضية مبدياً كل الإستعداد للمساعدة في تغطية العلاج داخل لبنان وخارجه.
• حرية التعبير والحق في اللجوء للقانون
تمّ إستغلال هذه القضية بشكلٍ مبالغٍ فيه من أطراف كثيرة ، قبل الإعلان عن مرض الزميل تركماني – شفاه الله وعافاه – وبعده ، ولم يتوقف الكلام حتى بعد تنازل الرئيس ميقاتي عن الدعوى .
وإزاء هذا الواقع ، نجد أنفسنا مضطرين للإدلاء بدلونا في تقييم ما جرى في الشكل والمضمون.
ــ في الشكل: من حق الزميل تركماني أن يكتب ويعبّر عن رأيه بدون أي مانع أو عائق أو تضييق أو محاسبة ، إذا كانت المسألة مسألة رأي وحرية تعبير.
وفي الشكل أيضاً: يحقّ لأي متضرّر من أي مقال أو منشور ، سواء كان الرئيس ميقاتي أو غيره ، أن يلجأ إلى القانون والقضاء لتأكيد حقه ، خاصة إذا كان في المقال ما يمكن إعتباره مساً بالسمعة أو تحريضاً ، كما رأى الرئيس ميقاتي في المقال الذي تناوله به الزميل عبد السلام.
في الشكل أيضاً:
لم يكن المقال موضع الشكوى المقال الوحيد الذي إنتقد فيه الزميل عبد السلام الرئيس ميقاتي ، بل إنه نشر مقالات كثيرة لم تؤدِّ إلى الوقوف أمام القضاء ، بل لم تحظَ بأي تعليق أو تعقيب.
_ في المضمون:
وضع الزميل عبد السلام نفسه ووضع الرئيس ميقاتي في موقف حرج. فإذا سكت (ميقاتي) على ما تضمنه المقال من القول بأنه تآمر مع النظام السوري لإسقاط حكومة الرئيس الحريري ، سيأتي من يعتبر السكوت علامة صحة لهذه المقولة ، وهذا أمر شديد الخطورة ، على المستوى الأمني والسياسي والشخصي. وإذا ردّ أمام القضاء ستتحوّل المسألة إلى قضية رأيٍ عام.
ولا شكّ أن الرئيس ميقاتي شعر بالحرج الشديد لرفع دعوى في وجه صحافي ، لأنه يدرك أن هذه الخطوة تحمل الكثير من السلبيات وسيجري إستغلالُها ضده ، مهما كانت الدوافع والمبرّرات ، وهذا ما حصل فعلاً ، حيث تحوّلت هذه المسألة إلى محطة سجال وتقاذف في الإتهامات ، من دون أن يكون لهذا الضخب أثرٌ حقيقي على مسار القضية ، ولكن يبدو أنه لجأ إلى هذا الخيار لإدراكه أن السكوت على ما ورد سيتحوّل أداة إبتزاز وتحريض ضده عند كل محطة مفصلية ، وهو الذي سبق أن إتخذ مسافة سياسية من نظام الأسد ، عندما أكد حق الشعب السوري في تقرير مصيره وإدانته لإستخدام البراميل المتفجرة ، وخرج عن دائرة “حزب الله” عندما وقع مع الرؤساء السابقين الرسالة الشهيرة إلى القمة العربية في الأردن ، والتي إعتبرها “حزب الله” عملاً معادياً كونها جاءت معاكسة لتوجهات الرئيس ميشال عون في القمة.
ولا شك أن ميقاتي بات اليوم في دائرة التعاون السياسي الأقرب مع المملكة العربية السعودية بعد أن كسرت الرياض إحتكار الرئيس سعد الحريري لتمثيل السنة في لبنان ، وعلى هذه الخلفية ، جاء حجم إعتراض الرئيس ميقاتي على مقولة الزميل عبد السلام بشأن العلاقة مع النظام السوري.
• كل التضامن مع عبد السلام
بعد الإعلان عن مرض الزميل عبد السلام ، تواصلنا ، وتواصل أهل الخير مع الرئيس ميقاتي وإستجاب للمساعي وتراجع عن الدعوى ، وستنتهي كل الإجرءات اليوم.
• كفى..
وفي خلاصة الموقف نقول: كل التعاطف والتضامن مع الزميل العزيز عبد السلام تركماني ومع حقه في الكتابة والتعبير. ولكن لا يمكن حرمان الرئيس ميقاتي من حقه في الدفاع عن نفسه ، خاصة عندما يتعلّق الموضوع بمسألة لها في ضمير أبناء طرابلس موقع شديد الحساسية ، وفي لحظةٍ محليةٍ وإقليميةٍ شديدةِ السخونة ، والإستقطابُ السياسيُّ على أشدّه ، من دون أن يكون في مقال الزميل تركماني أي شاهد إثبات معلوماتي واضح ، مما دفع الرئيس ميقاتي إلى طلب تأكيد المقولة بإثباتات أو التراجع عنها باعتبارها خطأ أو عدم دقة من المصدر ، يمكن أن يقع في أي مقالة صحافية ، دون الحاجة إلى القضاء.
نعلم جميعاً موقع الزميل عبد السلام السياسي ونعلم في أي إتجاه يصوّب ، وهذا حقه الطبيعي ، ونعلم أن الرئيس ميقاتي يعمل في الحقل العام ، ومن الطبيعي أن يتعرّض للإنتقادات ، ولكن ما نعلمه أيضاً أن هناك ضرورة للملاءمة بين الحرية والمسؤولية ، وبين الرأي والمعلومة ، والتفريق بين الواقع والإستنتاج.
ولكن أسوأ ما شهدناه في هذه القضية ذلك الإصطفاف والإنقسام الإعلامي ، وظهور عددٍ من “المتضامنين” الطارئين الذين حوّلوا مرض الزميل عبد السلام إلى محطة لتفريغ خصومتهم مع الرئيس ميقاتي ، وفي هذا إستغلال واضح وبشع لوضعٍ إنسانيّ يستوجب التكافل والإلتفاف والمساندة بعيداً عن شعاراتٍ غايتـُها الإستهداف السياسي لا أكثر.
إن ما إنتهت إليه الأمورُ في قضية الزميل العزيز عبد السلام تركماني مع الرئيس ميقاتي هو منتهىً طيب ، ولا يجب تحميلها أكثر مما تحتمل.
دعوا العزيز عبد السلام يستريح ليتابع علاجه وكلنا معه ومع عائلته الكريمة ، راجين له الشفاء العاجل… والرئيس ميقاتي مشكورٌ على تجاوبه ، وندعوه إلى التمسك بنهج الإحتواء والتفاعل الإيجابي الذي ينتهجه مع الجميع ، سواء إتفق معهم أو إختلف في السياسة.
تفصلُنا عن الرئيس ميقاتي مسافةٌ سياسية وعن الزميل تركماني كذلك ، لكننا نتمنى أن يجمعنا حبُ أهلنا في طرابلس والحرصُ على أن لا يفسدَ خلافُ الرأيِ في الودّ قضية.
• أمين عام التحالف المدني الإسلامي
(أحمد الأيوبي)