برغم سياسة تدوير الزوايا التي تعتمدها اغلبية القيادات السياسية اللبنانية، تبقى الوحدة الوطنية محل تهديد نظرا للعوامل المتعددة، والمتشابكة التي تحيط بالساحة اللبنانية، ومنها اعتبارات اقليمية قد تعيد إنتاج توترات كادت ان تطيح بالاستقرار اللبناني خلال السنوات العشر الماضية.
ومن نافل القول: ان معظم القوى تبذل جهودا لتحصين الساحة الداخلية، وفقا لاعتباراتها، او تأسيسا على حجمها السياسي والشعبي.
عندما دعا الرئيس نبيه بري لعقد الحوار حول طاولة مستديرة في مجلس النواب عام 2006، كانت البلاد في حالة من الغليان والانشقاق السياسي والشعبي، والوحدة الوطنية في ادنى تماسكها.
وقد نجحت الطاولة في خفض منسوب التوتر جراء الصورة التي التقطتها وسائل الاعلام لأقطاب النزاع مجتمعين خلف طاولة واحدة، بينما كان معظم اللبنانيين يعيشون حالة من فقدان الأمل، ويستبعدون إمكانية التلاقي بين اقطاب النزاع على محوري 8 و14 آذار.
لعب الرئيس سعد الحريري دورا مفصليا في محطات التوتر الصعبة، خصوصا في تغطيته السياسية لدور الجيش في وأد الفتنة بين سعدنايل وتعلبايا، وفي عرسال، وفي طرابلس وعكار وصيدا.
ولا احد يمكن ان ينسى الدور الذي لعبه رئيس اللقاء الديموقراطي وليد جنبلاط في التدخل المباشر والشخصي لإطفاء الحريق الناتج عن التوتر الأمني عندما قتل «الزيادين» في بيروت في 2007، وفي مارس 2009 إبان مقتل لطفي زين الدين في ساحة الشهداء في بيروت.
لا ينكر أحد، ان ما تحقق من إنجازات سياسية وأمنية خلال الفترة الماضية كان بالغ الاهمية، وتم ملء الشغور الرئاسي الذي استمر عامين ونصف العام، كما ان تطور مستوى أداء المؤسسات الامنية، وفي مقدمتها الجيش، كان في غاية الاهمية.
ولكن بعض عوامل تهديد الوحدة الوطنية مازالت قائمة، اولا من خلال التباعد بين القوى الاقليمية المؤثرة على الساحة اللبنانية، وما يمكن ان يجر هذا الامر من انعكاسات مؤذية للاستقرار اللبناني، وثانيا من جراء جنوح بعض االقوى السياسية اللبنانية في ممارسة الاستقواء او الكيدية اللذين ينتجان توترا، يمكن ان يؤدي الى خلق حالة من الشلل في مؤسسات الدولة، وبالتالي تهديد الاستقرار الذي تنعم به البلاد.
لقاء كليمنصو الأخير الذي عقد في دارة النائب وليد جنبلاط وضمه الى رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري، يحمل مجموعة من الدلالات المهمة، تتعلق بلملمة الوحدة الوطنية كما قال بري، وهو أبعد ما يكون عن تجديد سياسة الاحلاف العمودية التي عانت منها البلاد في الفترة الماضية.
بالمقابل، لا يمكن إخفاء اهمية اللقاء لناحية إعادة بعض التوازن في الحياة السياسية اللبنانية، وبعد مرحلة من الانفلاش، شعر معها البعض بخطة تهميش مدبرة.
كما ان اللقاء جاء لملاقاة المنحى الايجابي الذي اتخذته خطوات رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مؤخرا، لاسيما اقتراحه فيما يتعلق بإعادة إقرار قانون الضرائب وتسهيل إصدار قانون الموازنة، وهي خطوات ايجابية، حدت من اندفاعة بعض المتحمسين حول الرئيس، بهدف تحقيق الغلبة.
ولعل المدماك الأهم في سياسة لملمة الوحدة الوطنية، هو الاتفاق بين القادة الثلاثة على عمل كل ما يمكن لتخفيف انعكاس التوتر الاقليمي على الساحة اللبنانية، ولكل من المجتمعين دور يمكن ان يقوم به مع أصدقائه، او حلفائه في هذا المجال.
(الانباء الكويتية)