البعض يتكهّنون إزاء الوضع اللبناني بأنّ قوى خارجية ربما تكون طلبت من بعض الأفرقاء السياسيين اللبنانيين اتخاذ مواقف معينة لتصحيح التوازن الذي ترى انه اختلّ او يختل لمصلحة «حزب الله» وحلفائه في ضوء التطورات الداخلية الأخيرة في لبنان وتلك التي يشهدها الميدان السوري، ولكن هؤلاء الأفرقاء لا يستطيعون الذهاب بعيداً في أي موقف تصعيدي يمكن ان يلجأوا إليه ضد الحزب وحلفائه، لإدراكهم أنه قد ينعكس سلباً على الاستقرار العام الذي يؤكد الجميع في الداخل والخارج حرصهم عليه، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الاميركية التي تدرك انّ ما تفرضه من عقوبات مالية وغير مالية على «حزب الله»، من شأنها ان تؤثر على أمن لبنان المالي والاقتصادي ما قد ينعكس سلباً على الوضع الحكومي وعلى أمن البلد عموماً.
ولذلك، فإنّ بعض الافرقاء السياسيين يُبدي عدم ارتياح الى كل ما يجري، ويخطر له عدم الاندفاع الى اي تصعيد كبير على الصعيد الداخلي، يمكن ان يتهدد مصير الحكومة، لأنه في حال سقوطها او استقالتها سيكون من الصعوبة بمكان تأليف حكومة بديلة، وفي الوقت نفسه لن يكون ممكناً لحكومة مستقيلة تُصرّف الاعمال في الاطار الضيق إنجاز الانتخابات النيابية لأنها لا تملك سلطة القرار في استحقاقات مصيرية ودستورية كالاستحقاق النيابي.
واذا كان «حزب الله» وحلفاؤه يجاهرون بتمسّكهم باستمرار الحكومة حتى آخر يوم من عمرها الدستوري حيث تجري الانتخابات وينشأ مجلس نيابي جديد، فإنّ خصوم الحزب في المقابل وعلى رأسهم تيار «المستقبل» لا يقلّون عنه تمسّكاً بهذه الحكومة، خصوصاً انّ من يتولى رئاستها هو زعيم «المستقبل» الرئيس سعد الحريري الذي اكد من روما أمس «انّ الحكومة باقية ولا دخل لنا بما يحصل في المحيط، ويجب تحييد لبنان عن أزمات المنطقة»، علماً أنه وكتلته النيابية لا ينفكّان عن مهاجمة «حزب الله» وانتقاد تدخّله المستمر في الحرب السورية، فضلاً عن مهاجمتهما ايران ودورها في لبنان والمنطقة.
وحسب بعض المطلعين، فإنّ «لقاء كليمنصو» الأخير بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والحريري ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، والذي ما زالت نتائجه مكتومة لدى المعنيين، غاص في قراءات عدة للمشهد الاقليمي ـ الدولي، ولكنه انتهى الى تأكيد ضرورة الاستمرار في دفع الاوضاع اللبنانية نحو التحصين على كل المستويات، علماً انّ أحد اركانه، ولكثرة التحليلات والتخمينات حول ما دار فيه علّق قائلاً: «لقد صُرف على هذا اللقاء حبرٌ اكثر ممّا قيل فيه».
وفي انتظار ما ستكون لترجمة التصعيد الاميركي الجديد ضد ايران و«الحزب» من تفاعلات ومضاعفات على المستويين الاقليمي والدولي، فضلاً عن المحلي، فإنّ المرجع السياسي الكبير إيّاه، يرى انّ الادارة الاميركية دلّت منذ اليوم الاول لانتخاب ترامب الى «إرباك واضح في أداء مترجرج استفزّ الاميركيين وحيّرهم قبل العالم كله: في النهار موقف أبيض، ومساء الموقف نفسه وإنما باللون الاسود، وهذه الحال ما تزال مستمرة على كل المستويات، والاعلام الاميركي يعبق بالسخرية من ترامب هذا الرئيس الذي تصفه بـ«المهرج».
ويضيف هذا المرجع: «انّ تعاطي ترامب مع القضايا الصغرى هو نفسه مع القضايا الكبرى عشوائية وتسرّع، بعدما لاحظه حلفاء الولايات المتحدة الاميركية الذين عملوا عبر قنواتهم محاولين تصحيح مسار الادارة الترامبية، ولعلّ ما قالته المستشارة الالمانية انجيلا ميركل في توصيفها لهذين «التخبط والعشوائية» بل للخطة الاميركية، هو أبلغ كلام، اذ قالت: «لم يعد مجدياً أمام ما يقوم به ترامب (تحديداً حيال الملف النووي الايراني) الّا ان يخرج الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما الى الاعلام ويعلن انه ضد الاتفاق النووي، فعندها سيبادر ترامب سريعاً الى القول انه يؤيّد هذا الاتفاق».
«هناك لعب بالعالم»، يقول المرجع نفسه، مضيفاً «انّ الادارة الاميركية ستواجه موقفاً صعباً لأنّ اوروبا حاصرتها بموقف يتمسّك بالاتفاق النووي مع ايران، لأنّ الاوروبيين يدركون انهم إذا تخلوا عن هذا الاتفاق فإنّ المنطقة ستشتعل بنحو خطير». وفي اعتقاده «انّ ايران لن تتخلى عن اتفاقها مع مجموعة الدول الست، خصوصاً أنّ الموقف الاوروبي الذي يتمسّك بهذا الاتفاق، معطوفاً على الموقف الايراني، يحاصر الولايات المتحدة الاميركية ويدفعها الى الهدوء والبحث عن حلول واقعية».
وحتى الآن فإنّ كل الدلائل تشير الى انّ المجموعة الاوروبية، وعلى رأسها المانيا، غير مرتاحة لأيّ نقض للاتفاق النووي مع ايران، وحتى اسرائيل نفسها غير مرتاحة، في رأي هذا المرجع، «لأنها تشعر هذه الايام انها تمرّ في مرحلة تاريخية ذهبية، فالعرب يَقتتلون وهي تَتفرّج عليهم مَزهوّة منذ ست سنوات».
واكثر من ذلك، يرى المرجع ايّاه «أنّ سياسات الرئيس الاميركي تشير الى انه سيدمّر كل ما فعله اوباما»، ويقول المرجع في هذا الصدد: «على مسؤوليتي اؤكد انّ ما يقوله بعض العرب عن انهم مع الموقف الاميركي في إلغاء الاتفاق يقولون نقيضه سراً ويُعبِّرون عن مخاوف ومخاطر من أيّ إلغاء للاتفاق النووي، فكلامهم العلني يراعي الاميركي ويدلّ الى انهم مغلوب على أمرهم ولا ناقة لهم ولا جمل في كل ما يجري».