تأجيل الانتخابات النيابية والتمديد لمجلس النواب مجدّداً «أمرٌ غير وارد على الإطلاق»، يقول قطبٌ سياسي قاطعاً الشكَّ باليقين، ومشيراً إلى أنّ هذا الحلم راوَد البعض في الآونة الأخيرة، فجاء اقتراح رئيس مجلس النواب نبيه بري تقديمَ موعدِ الانتخابات من أيار حتى نهاية السنة ليتحوّلَ هذا الحلم كابوساً لدى الراغبين بالتمديد، وهو اقتراح صُرف النظر عنه على الأرجح.
يؤكّد هذا القطب أنّ فريقاً، بل أفرقاء سياسيين، تلاقوا مجدّداً على «حبّ» التمديد، ولكن ليس حُبّاً بهذا التمديد وإنّما كُرهاً بالانتخابات التي يشعرون حتى الآن، وفي ضوء اوضاعهم الانتخابية والسياسية، انّ نتائجها لن تأتي وفق ما سيشتهون، وهم يفضّلون تأخيرها مجدداً، لسنةٍ على الأقلّ، علّهم يتمكّنون من تأمين مقوّمات فوزهم بالعدد الذي يَطمحون اليه من المقاعد النيابية بموجب القانون الانتخابي الجديد الذي يَعتمد النظام النسبي للمرة الاولى منذ نشوء الجمهورية اللبنانية.
ولذلك بادرَ بري الى قطعِ الطريق على هؤلاء واضعاً حدّاً لـ«عشق» التمديد الذي بات ممنوعاً، متسلّحاً بأنّ الذريعة التي اتّخِذت لتبرير التمديد النيابي الحالي من حزيران الماضي وحتى أيار المقبل كانت توفير المدة الزمنية لإنجاز البطاقة الانتخابية الممغنطة، ولكنّ هذه المدّة لم تعُد كافية، بل سَقطت لأنّه بات مستحيلاً إنجاز هذه البطاقة خلال الفترة الزمنية المتبقّية والفاصلة عن موعد الانتخابات في أيار 2018، ما يعني انّ الانتخابات ستجري بواسطة بطاقة الهوية أو «إخراج القيد» على ان تُعتمد البطاقة الممغنطة في انتخابات 2022 في حال أنجِزت بموجب مناقصة عامة أو عبر «التلزيم بالتراضي» الذي وافقَ عليه مجلس الوزراء في الاسابيع الاخيرة.
وبغَضّ النظر عن الاهتمام بالاستحقاق النيابي الذي ما يزال محدوداً وليس متوقّعاً ارتفاعُ منسوبه قبل مطلعِ السنة الجديدة، فإنّ ما تشهَده الساحة الإقليمية مقلِقٌ جداً لكثيرين، حيث انّ هذه الساحة تبدو مقبلةً، في رأي القطب السياسي نفسِه، على مواجهة بين محورَين يتشكّلان مجدداً الآن في ضوء الاستفتاء الكردي على استقلال كردستان العراق الذي يُراد له ان يتوسّع لاحقاً ليشمل أكراد ايران وسوريا وتركيا ديموغرافيّاً وجغرافيّاً، الاوّل يضمّ الولايات المتحدة الاميركية وحلفاءَها الإقليميين، والثاني روسيا وحلفاءَها الاقليميين أيضاً.
ولكن ليس واضحاً بعد ما إذا كان الدافعون الى الاستفتاء الكردي سيَرقون الى مستوى التأييد العملي لقيام «دولة كردية» تبدأ بكردستان العراق لتشملَ كردستان ايران وتركيا وسوريا لاحقاً، أم أنّ هؤلاء سيَستغلّون هذا الاستفتاء والتلويح بـ«الدولة الكردية» واستخدامها ورقةً قوية في التفاوض على حدود النفوذ في الاقليم والذي سيتحدّد في ضوء التسويات المرتقَبة لأزمات المنطقة.
وكذلك ليس واضحاً ما إذا كان التهديد الاميركي بالخروج من الاتفاق النووي مع ايران هو بالفعل تهديد جدّي، ام انّ الادارة الاميركية تستخدم هذا التهديد ورقةً لتعزيز موقعها التفاوضي على التسويات الاقليمية والعمل لتقليص النفوذ الايراني على الساحة الاقليمية الى الحدود القصوى، وهذا التقليص تتلاقى مع حلفائها الاقليميين في العمل بقوّة على تحقيقه.
وليس واضحاً أيضاً، حسب القطب السياسي نفسِه، ما إذا كان في إمكان اسرائيل تنفيذ تهديداتها بشنّ حربٍ جديدة ضد لبنان و»حزب الله»، وهي حرب تلوّح بها سياسياً حيناً من خلال المواقف التي يُطلقها المسؤولون الإسرائيليون، وعسكرياً حيناً آخر من خلال المناورات العسكرية التي تجريها، وكان آخرها مناورات «السهم الأزرق» على حدود لبنان الجنوبية والتي حاكت فيها حرباً تشنّها ضدّ «حزب الله».
على أنّ «حزب الله» ثابتٌ لديه، أوّلاً وأخيراً، انّ اسرائيل ستشنّ حرباً عليه وعلى لبنان، امّا توقيت هذه الحرب فلا يمكن التكهّن به، ولكن بمقدار ما تضمّنَ الكلام الاخير للامين العام للحزب السيّد حسن نصرالله من إشارات تؤكد انّ هذه الحرب آتية، بمِقدار ما اشارَ الى احتمال حصول مواجهة ضدّ ايران، إذ تلوح في الافق مؤشّرات جدّية على احتمال خروج واشنطن من الاتفاق النووي المعقود بين ايران ومجموعة الدول الستّ، حيث إنّ اسرائيل تُحرّضها على هذا الخروج وتدفع في اتّجاه توجيه ضربةٍ عسكرية لطهران.
لكن، في رأي القطب السياسي، انّ اسرائيل وعلى رغم تهديدها بالحرب ضد لبنان و«حزب الله» واجتهادِها خارج الموقف الاميركي، لا يُمكنها ان تخوض ايّ حرب من دون موافقة الإدارة الاميركية، وحتى إنّ إقدام رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، حسب ما يتوقع البعض، على شنّ مِثل هذه الحرب لصرف الانظارِ عن ملفّه القضائي الذي سيُعرّضه للإدانة بتهمةِ الفساد، ليس بالأمر السهل عليه، لأنه لا يمكنه شنّ هذه الحرب من دون الموافقة أو التغطية الاميركية.
ولذلك، يَعتقد سياسيون انّ المرحلة اللبنانية الراهنة هي مرحلة انتظارية لِما سيؤول اليه المشهد الاقليمي، وسيقف خلالها الافرقاء السياسيون داخلياً على شاطئ الاستحقاق النيابي قبل السباحة في يمِّه ابتداءً من مطلع السنة الجديدة، إذ مِن الآن وحتى نهاية السنة سيَشهد لبنان والمنطقة جملةً من التطورات التي سيتحدّد في ضوئها مسارُ كلّ الأزمات الإقليمية ومصيرُها.
(الجمهورية)