الإلحاح بالإنفتاح الحكومي على النظام السوري يتجاوز العناوين والذرائع المطروحة
معروف الداعوق:
لم يقتصر الأمر عند حدود ما حصل في نيويورك، بل تعداه إلى أبعد، منها التظاهرة شبه العسكرية للحزب القومي السوري في شارع الحمراء، والمواقف التوجيهية التي أطلقها الأمين العام لحزب الله مؤخراً وما يمكن أن يستجد من وقائع ومواقف
لا شك ان التجاذبات السياسية التي عصفت بحكومة الوحدة الوطنية برئاسة الرئيس سعد الحريري على خلفية ظاهرية لدفع الحكومة للانفتاح قسرياً على النظام السوري المتهالك تحت حجج وعناوين برّاقة كإعادة النازحين السوريين إلى بلدهم أو التشاور والتنسيق الاقتصادي والتجاري وانتهاءً بالتحضير لمرحلة إعادة اعمار سوريا، ليست عابرة أو تم تجاوزها وإنما قد تتجدد وتأخذ منحى تصعيدياً أكثر مما حصل حتى الآن ومتى دعت الحاجة لذلك مرحلياً في محاول مكشوفة لتوظيف وقائع التبدلات الميدانية على الساحة السورية لإعادة رسم موازين القوى السياسية والسلطوية من جديد وباتجاه تحقيق المزيد من التنازلات من القوى المناوئة لتحالف إيران والنظام السوري بالداخل اللبناني.
لذلك، لم يحصل اللقاء الذي حصل بين وزير الخارجية جبران باسيل ووزير خارجية النظام السوري وليد المعلم في نيويورك صدفة أو بطلب من الوزير باسيل كما ردد هو شخصياً، بل بطلب مسبق وبتحضير متفق عليه سلفاً لتوجيه رسالة واضحة للرئيس الحريري بهذا الخصوص بعدما تمّ تجاهل جميع الرسائل والدعوات السابقة لبدء مرحلة جديدة بالانفتاح على نظام الأسد من الأبواب الواسعة وقوبلت زيارات بعض الوزراء المتحالفين مع النظام إلى دمشق بالرفض وعدم الاعتراف بنتائجها وتأثيرها بقي اعلامياً من دون جدوى.
ولم يقتصر الأمر عند حدود ما حصل في نيويورك، بل تعداه إلى أبعد من ذلك بوقائع ومواقف تعبر بوضوح عن المنحى التصعيدي الداخلي، ومنها على سبيل المثال التظاهرة شبه العسكرية للحزب القومي السوري في شارع الحمرا، وهو الحزب الحليف للنظام السوري وحزب الله والمواقف التوجيهية التي أطلقها الأمين العام لحزب الله مؤخراً تجاه الداخل اللبناني وما يمكن ان يستجد من وقائع ومواقف ترسم صورة مترجرجة سياسياً للمرحلة المقبلة بالرغم من كل محاولات احتواء الآثار السلبية الجانبية للتجاذبات السياسية التي حصلت مؤخراً، والسعي الحثيث لإظهار الصورة التوافقية لأركان السلطة في مواجهة عاصفة المواقف والمواقف المضادة من محاولات انفتاح وزير الخارجية جبران باسيل على النظام السوري.
قد تكون خطورة التداعيات السلبية لقرار المجلس الدستوري إبطال قانون الضرائب قد استوجبت تعالي أركان السلطة وتحديداً الرئاسات الثلاث عن الخلافات التي عصفت بين بعضهم كما ظهر ذلك للعيان وخصوصاً الرئاسة الأولى والثانية وبين رئيس الحكومة ووزير الخارجية على خلفية ما حصل في نيويورك وتم تجاوز السجالات والركون إلى التهدئة والتفاهم على المخارج والحلول المطلوبة لتفادي دخول لبنان بأزمة مالية واقتصادية خطيرة تلوح بالأفق إذا لم تعالج بالوقت المناسب، وهذا ما حصل بالفعل وبدأت مفاعيل التفاهم السياسي تأخذ طريقها الفعلي للتنفيذ عملياً على الأرض.
ولكن السؤال المطروح هو هل تنحسر دعوات الانفتاح على النظام السوري وتقف عند حدود ما حصل حتى الآن؟
لا تظهر المناخات السياسية توجهاً باتجاه وقف الدعوات لانفتاح وزاري أو حكومي على النظام السوري، ولكن يبدو أن انحسار هذه الدعوات مؤقتاً مردُّه إلى تفادي نشوء أزمة سياسية حادّة في الوقت الحاضر، لا ترغب الأطراف الأساسية في تأجيجها، كل لحساباته ولأنه ليس في صالح أي طرف كان الذهاب حتى النهاية في التجاذبات الحاصلة، لإعتبارات داخلية وإقليمية على حدٍ سواء، لا سيما في ضوء ما يرسم للمنطقة من خرائط وتسويات يخشى من تداعياتها ومخاطرها على لبنان إذا تفاعلت الخلافات الداخلية واستفحلت نحو الأسوأ.
ويخشى ان تؤثر التجاذبات السياسية التي حصلت في علاقات الأطراف المشاركين بالحكومة وفي التعاطي القاتم بينها وتحديداً بين فريق رئيس الحكومة الوزاري وبين وزير الخارجية جبران باسيل وهي التجاذبات الأولى على هذا النحو منذ بداية العهد الحالي، بالرغم من كل محاولات وجهود احتوائها والسعي لتجاوز أثارها السلبية. ولكن لا يمكن معرفة كيفية سلوك هذه العلاقة مستقبلاً قبل انقضاء بعض الوقت ومراقبة مستوى التفاهم بالنسبة لعلاقة الطرفين مع بعضهما البعض وكيفية تعاطيهما في مقاربة الأمور والمسائل المطروحة.
وتبقى مسألة استمرار المطالبة بالانفتاح على النظام السوري المتهالك مسألة خلافية بين أطراف أساسية بالحكومة، في حين ان الالحاح وزيادة المطالبة واستعمالها كأداة ضغط وأسلوب تفرُّد من جانب واحد ضد الرافضين لهذا الانفتاح في الوقت الحاضر وقبل نضوج التسوية السياسية للأزمة السورية، يعني ببساطة أحد أمرين أساسيين، الأوّل، إبقاء الوضع الحكومي مترجرجاً والحكومة مضعضعة وغير قادرة على مقاربة الملفات والاستحقاقات المهمة والضرورية والثاني محاولة إخراج لبنان من وضعية الحياد والنأي بالنفس والزج به قسراً في المحور الإيراني – السوري خلافاً لرغبة وتوجهات أكثرية الشعب اللبناني، مع ما يترتب على ذلك من تداعيات سلبية، لن تقتصر نتائجها على طرف أو أطراف محددين، بل تنعكس ضرراً وسلباً على كل اللبنانيين دون استثناء.
وفي ضوء الوقائع، تبقى مصلحة الجميع في المحافظة على الوضع القائم، لأن الظروف السابقة والأحداث أظهرت استحالة تبديل موازين القوى السياسية بالضغط وحتى بالقوة وكل المحاولات فشلت وتكرار المحاولة يُدخل لبنان بمتاهات خطرة وغير محسوبة النتائج.