وتروي هذه المصادر ما حدث كالآتي:
ـ أولاً، خلال مشاركة زاسبكين في فعاليات احتفال «اليوم الثقافي الخامس» تحت عنوان «روسيا في قلب لبنان»، تلقّى اتصالاً هاتفياً. ولاحظ قريبون منه أنه بَدا مهتماً بمحادثه على الطرف الآخر من الخط، وأنه تنحّى جانباً لكي يكمل المحادثة معه، وفور إنهائه المكاملة، لم يستأذن منظّمي الإحتفال، وغادر على عجل.
ـ ثانياً، تؤكد هذه المصادر انّ الاتصال الذي تلقّاه زاسبكين ودفعه الى مغادرة الاحتفال، كان مصدره جهة أمنية روسية أبلغت إليه أنّ عليه مغادرة المكان فوراً وعلى وجه السرعة «لأسباب أمنية»، راجَ حينها أنها تتعلق باكتشاف تحرّك لخلية إرهابية تتّجه لاستهدافه.
لكنّ هذه المصادر تنفي هذه الرواية، وتؤكد انّ السبب الذي دفع الجهة الروسية الامنية الى الاتصال بزاسبكين، لم يكن ورود معلومات عاجلة ومحددة للأجهزة الامنية اللبنانية او الروسية تفيد أنه سيستهدف بعمل إرهابي خلال وجوده في الاحتفال، بل كلّ خلفية ما حدث كان سببه انّ موسكو تأثرت بموجة القلق التي سادَت لبنان يومي 19 و20 ايلول الجاري، والتي نَتجت عن دعوة سفارات غربية وعالمية رعاياها الى عدم ارتياد أماكن محددة في لبنان كونها ستتعرّض لأعمال إرهابية، خصوصاً انّ بعض هذه البيانات حذّر من احتمال حدوث هذه الهجمات الارهابية في خلال الساعات الـ 48 المقبلة آنذاك.
وكان واضحاً لمتابعي تتالي البيانات التحذيرية الغربية آنذاك، انّ معظم الأماكن التي سَمّتها كأهداف محتملة للإرهابيين، كانت سياحية. ولذلك اعتبرت المخابرات الروسية التي كانت تتابع ما يحدث على هذا الصعيد، انّ وجود سفير روسيا في مكان سياحي (فندق) في ذاك اليوم هو أمر يزيد من احتمال أن تطاوله الهجمة الارهابية المفترضة، وعليه قررت إبلاغه ضرورة قطع مشاركته في الاحتفال ومغادرة الفندق.
ـ ثالثاً، كانت الجهة الروسية المعنية بأمن مصالح بلدها في لبنان، حاولت مع بدء تَتالي بيانات التحذير من حدوث عمل إرهابي، الاتصال بجهات رسمية لبنانية معنية للاستفسار منها عن دقة هذه التحذيرات الصادرة عن سفارات غربية وعالمية. وأرادت موسكو من ذلك تحديد حجم الخطر كما تراه الاجهزة الامنية اللبنانية، لتتخذ إجراءات أمنية تتناسب في درجتها مع فحوى تقدير الموقف الامني اللبناني لحالة الخطر القائمة.
غير انّ هذه الاتصالات لم توفّر لموسكو أجوبة شافية، ما جعلها تقرّر من باب التحسّب اتخاذ إجراءات امنية إحترازية مشددة واستثنائية لحماية مصالحها وذلك لفترة مؤقتة، وتحديداً حتى يتّضح لها مدى دقة المعلومات التي استندَت إليها بيانات سفارات اميركا وبريطانيا وكندا في لبنان. ومن ضمن هذه الاجراءات الاستثنائية كانت المكالمة الهاتفية التي تلقّاها زاسبكين وطلب منه خلالها مغادرة الفندق واتخاذ الحيطة الأمنية القصوى.
وبحسب هذه المصادر فإنّ موسكو اتخذت منذ فترة غير قصيرة مجموعة تدابير لتشديد الحماية على مراكز ممثلياتها الديبلوماسية والثقافية في لبنان، غير انّ هذه الاجراءات ظلت في إطار المستوى العادي قياساً بالإجراءات التي تتخذها سفارات اخرى منخرطة دولها بدرجة أقل في الحرب على الجماعات الارهابية في سوريا، ويوجد بينها وبين هذه الجماعات حرب «تصفية حساب أمنية مفتوحة».
وبحسب التقدير العام السائد لدى المستويات الامنية المتابعة لملف أمن السفارات في المنطقة، فإنّ لبنان يُعَد الساحة ذات الاحتمالية الأقل لتعرّض السفارات فيها لأعمال ارهابية، وذلك لاسباب عدة منها نجاح الحرب الاستباقية الامنية اللبنانية في ضرب الحلقة الارهابية الأكثر احترافاً داخل بيئة الارهابيين في لبنان، وهذه الحلقة هي عادة التي يُعهد اليها تنفيذ العمليات المحتاجة لتخطيط محترف ومن بينها الهجمات ضد السفارات، فيما بيئات الارهاب الاخرى تعتبر عشوائية الى درجة معينة وتنفّذ عمليات ضد أهداف أسهل.
الأمر الآخر يكمن في انّ اتجاه ريح الاستهدافات الارهابية يتجه منذ فترة بدء انهيار «داعش» الى تركيز ضرباته الاحترافية في دائرتين اثنتين: مصر والدول الأوروبية.