«الاشتباك السياسي» الأول حصل بين الرئيس ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري من باب العلاقة مع النظام السوري. هذا الاشتباك كانت «غيومه» تتجمع في سماء العلاقة الصافية بين عون والحريري منذ أن سلك الوضع منحى مختلفا بعد معارك تحرير الجرود وحسم ملف الحدود اللبنانية- السورية وفي اتجاه أولويتين:
٭ الأولى هي جعل ملف النازحين في المرتبة الأولى على لائحة الاهتمام والمتابعة بعدما كان ملف الإرهاب يشغل هذا الموقع وانتهى الآن. وانطلاقا من أن موضوع النازحين بات يشكل خطرا داهما بأعبائه وأثقاله على كل المستويات ولم يعد يحتمل انتظارا وتأجيلا بسبب أو بحجة انتظار الحل الشامل والنهائي للأزمة السورية أو دور وخطط المجتمع الدولي والأمم المتحدة في هذا المجال.
٭ الثانية هي رفع مستوى العلاقة مع دمشق الى «تنسيق رسمي وعلني» بين الحكومتين، وهذا التنسيق بات من شروط ومستلزمات أي معالجة وتقدم في ملف إعادة النازحين.
لقاء باسيل – المعلم في نيويورك فجّر الاشتباك السياسي الرئاسي. هذا اللقاء «أغضب» الحريري الذي لم يكن على علم مسبق به ولا يستطيع تحمله وتمريره كأن شيئا لم يحصل لأنه ينطوي على أبعاد سياسية خطيرة لخصتها كتلة المستقبل في أنه يشكل: تجاوزا للأصول والأعراف الحكومية، ومخالفة صريحة وفاقعة للبيان الوزاري للحكومة، واعتداء صارخا على الحكومة ورئيسها وعلى التضامن داخلها، وبالتالي فإن الحريري لا يمكنه القفز فوق هذا التطور والسكوت عليه بعدما وجه ضربة قوية للحكومة ويهدد استقرارها وبقاءها فيما لو استمر هذا المنحى التصاعدي في اتجاه تطبيع الأمر الواقع مع النظام السوري.
إذا كان الرئيس الحريري وجد نفسه فجأة في حال اشتباك سياسي ولم يتوقعه مع الرئيس عون، فإن بري ليس جزءا من هذا الاشتباك ولا تعكر علاقته مع رئيس الجمهورية خلافات سياسية في أي من المسائل المطروحة حاليا، لا بل هناك تناغم وانسجام بينهما في كل ما له علاقة بالتنسيق والتطبيع مع دمشق ومقاربة ملف النازحين ومواضيع أخرى تصنف «استراتيجية».
لكن المشكلة بين بري وعون مختلفة وفي مجال آخر. ثمة «اشتباك دستوري» إذا صح التعبير بين الاثنين، وقد تبين أن المشكلة العالقة حاليا حول قانون الضرائب وبعد قرار المجلس الدستوري ليست على دفع رواتب السلسلة أو عدم دفعها، وإنما هي بسبب الخلاف على التشريع في مجلس النواب وتفسير الدستور، وعلى خلفية حق المجلس في التشريع الضريبي وجواز تضمين الموازنة العامة القوانين الضريبية أو عدم تضمينها.
الرئيس بري سيثير في أول جلسة نيابية هذه القضية وسيؤكد على حق المجلس النيابي المطلق في التشريع الضريبي وفي تفسير الدستور، وعلى رفض أي افتئات من صلاحياته ودوره..
في لبنان حاليا ضجة اعتصامات وتظاهرات في الشارع، وأزمة رواتب وضرائب، وأزمة ثقة وسوء تفاهم بين الرئاسات لأسباب سياسية ودستورية تتعلق بالأدوار أو بالصلاحيات.
المفارقة أن الحديث جار حاليا عن «اعتداء مزدوج» على الحكومة ورئيسها وعلى المجلس وصلاحياته. وأن الشكوى مزدوجة من «الربط المالي» بين الموازنة والسلسلة، ومن «الربط السياسي» بين «النازحين والتطبيع».
الانباء الكويتية