بقبوله الطعن الذي قدّمه النواب العشرة وفي مقدمهم النائب سامي الجميّل، وإبطاله قانون الضرائب، يكون المجلس الدستوري قد أعطى للمعارضة السياسية دفعاً وأملاً في التغيير. وعلى رغم انّ البعد الاجتماعي والمؤسساتي للقرار كان الابرز، الّا انّ ما تحقق سيساعد على بلورة توجّه سياسي معارض بدأ الإعداد له منذ فترة ليست ببعيدة.لم يكن المعارضون للحكم قد نظّموا صفوفهم بعد، ولكن الاتصالات التي أدت بادئاً ذي بدء الى اللقاء في «بيت الاحرار» ومن ثم في الصيفي الذي جمع النائبين دوري شمعون وسامي الجميل واللواء اشرف ريفي، وصلت الى مسار متقدّم، ستتبعه خطوات محددة في التوقيت المناسب.
وقد حصل في لقاء الصيفي تفاهم على خطوط عريضة، هي في الاساس نقاط التقاء في الخطاب السياسي بين هذه الاطراف التي لم تدخل في التسوية الرئاسية، وارتأت ان تعارض نهجاً لم يكن مفاجئاً الوصول اليه.
يمكن ببساطة هنا التوقّف عند التقاطع في كثير من المواقف، لا بل التنسيق في شأن الملفات الاقتصادية والموقف من التطبيع مع سوريا، وموضوع اللاجئين وحياد لبنان وبناء الدولة، ففي معظم هذه المحطات كانت مواقف الاطراف التي التقت في الصيفي متقاربة جداً، وقد تضمنت المبادرة الوطنية التي دعا اليها ريفي كثيراً منها، تلك المبادرة التي كانت استكمالاً لمسار غير معلن من الاتصالات مع «الكتائب» و«الاحرار» وقوى أخرى منها قوى المجتمع المدني.
وليس بعيداً من لقاء الصيفي، كان حراك آخر يأخذ مداه، وظهرت بداياته المعلنة في لقاء نظمه النائب السابق فارس سعيد والدكتور رضوان السيد، فيما كانت تحضيراته غير المعلنة سلكت طرقاً رئيسية وفرعية، مع شخصيات من 14 آذار رافضة التسوية من داخل أحزابها، وكانت خلوة قيل فيها كثيراً، واقتراحات وأفكار تريد الوصول الى إنتاج مبادرة انقاذية، تنتظر ولادتها وتشجعها شخصيات الاعتراض الصامت، وهي ايضاً كثيرة.
تشير اكثر من شخصية معارضة الى انّ أداء الحكم بعد اشهر على التسوية الرئاسية، باتَ الحافز الأهمّ لتجميع المعارضة في برنامج وطني بعناوين لا تحتاج الى اختراع او تأويل، لا بالنسبة للرؤية في شأن الدولة، ولا بالنسبة الى القرارات الدولية والمحكمة الدولية، ووقف مسلسل الفساد.
هذا الأداء، في رأي هذه الشخصيات، بكّر في إعلان فشل التسوية الرئاسية، التي دخل أطرافها في مرحلة سوء الفهم الكبير، فما اتفق عليه لم ينفّذ ولو من باب الحد الأدنى، وما تمّ التعهّد به يتمّ نقضه من بيروت الى نيويورك، هذا في وقت دخل المشاركون في السلطة، في مرحلة التنصّل المتبادل، بحيث باتت تبدو وكأنها مجموعة من الاجنحة التي يحمل كل منها أجندات متناقضة.
واذا كان هذا هو حال المشاركين في الحكم، فإنّ «المبادرة الوطنية والاصلاحية»، التي يفترض ان تجمع المعارضين، لا تزال تنتظر الالتقاء الكبير، الذي سيكون التحوّل في اتجاه إنتاج معارضة واحدة تلتزم برنامجاً إنقاذياً.
واذا كان هذا السؤال لا يجد جواباً حتى الآن في انتظار توضيح مجموعة من العوامل، أبرزها التوقيت المناسب، وإنضاج اتصالات بدأت فعلاً، خصوصاً بين سعيد وأركان «اللقاء الثلاثي»، وقد سجّل أكثر من لقاء في هذا الاطار، فإنّ المسار يتجه نحو تجميع هذه القوى.
وفيما تستعد مبادرة سعيد والسيد للقاءات تتوسّع الى المناطق، يستعد لقاء «الكتائب، شمعون، ريفي» لخطوة جديدة. امّا الاعتراض الشيعي الذي يتحرك بنحو مستقل، حيث تعقد شخصيات شيعية اجتماعات منتظمة وترتّب أجندتها الخاصة، فهو يستعدّ لكل الاستحقاقات، بجهوزية سياسية تطمح الى خوض معركة انتخابية في الجنوب والبقاع وبيروت.
ويبقى السؤال: متى يولد الإطار الوطني الجامع لمعارضة العهد والحكومة؟ الجواب مرتبط زمنياً بمرحلة لن يتعدى سقفها مطلع السنة المقبلة.
(الجمهورية)