إطمأنَّ اللبنانيّون إلى اندحار منظّمات الإرهاب من الجرود الشرقية في اتّجاه سوريا، وفرحوا بانتصار جيشِهم الوطني الذي أزاح عنهم كابوساً لازَمهم منذ بداية الحرب السورية، لكن، في نشوة الانتصار الفرح، وفي ظلّ الارتخاء الذي تُوفّره الطمأنينة الأمنية، لا بدّ لنا من التوقّفِ عند احتمالات أمنية نأمل ألّا تصحَّ أبداً، وهذا بالطبع رأيٌ لا يُلزم إلّا كاتبَه، وتحليلٌ شخصيّ لا يُعبّر بالضرورة عن توجّهات القوات المسلّحة، وخصوصاً الجيش.
هُزم تنظيما «جبهة النصرة» و«داعش» الإرهابيان، وانسحبَ المقاتلون الى الداخل السوري حيث نشأت تلك المنظمات، لكن هل يمكن القول إنّ الارهاب قد أقرَّ بالهزيمة؟ وهل يَستسلم الإرهابيّون خائبين أمام انتصار الجيش والشعب ويعترفون بقدرة هذا الجيش على هزيمتهم، في حين أنّ أقوى الجيوش وأكبرها وأحدثها تسليحاً لا تزال تقاتل تلك المنظمات ولم تهزمها بعد؟
المنطق العمليّاتي والأمني والاستخباراتي يرجّح عكسَ ذلك. فالإرهاب لا يزال يُعشعش في أرجاء الوطن على شكل خلايا نائمة، خصوصاً في بؤر التوتّرِ كمخيّم عين الحلوة للّاجئين الفلسطينيّين، حيث الصراع الدامي مستمرّ بين المنظمات المعتدلة وتلك التي تُوالي «النصرة» و»داعش»، ذاك الصراع الذي يُرخي بظلّه على جوار المخيّم في صيدا ومحيطها.
وفي بعض مخيّمات النزوح السوري أيضاً، يُنفّذ الجيش عمليات استباقية تستند الى معلومات مخابراتية عن خلايا إرهابية، تلك الخلايا التي إذا أمكنَها التفلّت، تستطيع توجيه ضرباتٍ موجعة إلى المجتمع اللبناني، ولا أخال أحداً قد نسيَ التفجيرات الانتحارية في غير منطقة والتي أودَت بعشرات الشهداء والجرحى.
مع التسليم بأنّ قوّاتنا المسلحة، وخصوصاً الجيش، تجهد ليلَ نهار لرصد تلك الخلايا وتحرّكاتها واتصالاتها مع بعضها ومع مشغّليها في الخارج، لا بدّ وأن يكون للمواطن دورٌ رئيسيّ في المعركة ضد الإرهاب، مع إدراكنا أن لا بيئة حاضنة للإرهاب في صفوف المواطنين، ممّا يزيد في صعوبة لجوئه الى الأعمال الانتقامية، إلّا أنّه علينا أن نكون في غاية الحذر واليقظة لذلك، فعلى كلّ مواطن ومواطنة أن يُراقب محيط سكنِه ومحيط عملِه وما بينهما، ويتنبّه الى أيّ تغيير في بيئته من أشخاص غير معروفين أو سيّارات مركونة لم تكن موجودة مسبقاً أو ليس من المعتاد رؤيتها، وإلى أيّ عنصر غريب عن المحيط، ويُبلّغ فوراً أقربَ مركز عسكري شخصياً أو بواسطة الهاتف، حتى وإن أتت النتيجة دائماً سليمة، فالحذر واجب، ويقظة المواطن ضرورية في هذه الظروف، وهو القادر على لعب دور الخفير المتيقّظ الذي يقتضي ألّا يستهينَ بأيّ تغيير في بيئته يراه غيرَ ذي أهمية، فقد يكون في عين القوى الأمنية معلومات مهمّة.
الكلام عن اليقظة والحذر لا يستدعي الخوفَ والهلع، بل التصرّف برويّة وحذر، بمساعدة قوّاتنا المسلحة في إرشادها الى أيّ معلومة حتى وإن كانت بسيطة وتافهة في نظرالمواطن، فقد تكون ذاتَ أهمّية عند الناشطين في مجال الاستعلام.
فيا أيّها اللبنانيون، إنّ معركتنا ضدّ الإرهاب لم تنتهِ بعد، فكونوا حذِرين متيقّظين.
(الجمهورية)