د.عامر مشموشي:
وإلغاء إحتفال النصر أول مؤشِّر على انعدام الثقة بين المسؤولين
يعتقد كثيرون أن «حزب الله» مارس ضغوطا ً على الرئاسة الأولى لإلغاء الإحتفال لأنه سيُظهر حجم الإلتفاف الشعبي حول الجيش فيما سلاحه ليس محط إجماع
يخشى العارفون أن تهتز التسوية التي أتت بالعماد ميشال عون حليف حزب الله رئيساً للجمهورية بعد فراغ في سدة الرئاسة الأولى دام قرابة ثلاث سنوات، ومع اهتزازها تزداد الحكومة الائتلافية التي جاءت استكمالاً لهذه التسوية تفككاً وشللاً يجعلانها في وضع لا تحسد عليه. ذلك لأن ركائز هذه التسوية تعرّضت في المرحلة الأخيرة، ولا سيما بعد معركة جرود عرسال لأكثر من هزة وانتكاسة، وما فصل المواجهات الأخيرة بين تيّار المستقبل وحزب الله والتيار الوطني الحر على خلفية التحقيقات في حوادث عرسال في العام 2014 وملابسات خطف العسكريين وقتلهم والزيارات الوزارية لسوريا والدعوة المستمرة إلى التواصل مع نظام الرئيس بشار الأسد والتصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية جبران باسيل غداة زيارة الدعم والتأييد والاستنكار التي قام بها الرئيس سعد الحريري إلى رئيس الحكومة السابق تمام سلام سوى دليل على بلوغ السخونة بين أركان الحكم وبالأحرى بين الرئاستين الأولى والثالثة حدها الأقصى من دون الأخذ بأي اعتبار الرغبة الدولية في أن تستمر هذه التسوية وينعم لبنان بالاستقرار السياسي بعد الاستقرار الأمني وتعمل حكومة الائتلاف الوطني على أرضية صلبة لكي تتمكن من إعادة ضخ الحياة في مجمل المرافق اللبنانية والاقتصادية على وجه الخصوص لتجنيب البلاد المخاطر التي تهددها من جرّاء استمرار وقف النمو الاقتصادي وازدياد معدل التضخم في البلاد.
ويعزو العارفون انحراف التسوية أو اهتزازها إلى عاملين أساسيين الأوّل إلى عوامل إقليمية وخارجية استجدت خلال الفترة التي تلت التسوية لم تكن مدرجة في الحساب حينما خطّت بنود التسوية بحبر الرغبة في تحييد لبنان عن نيران الخارج وفك ارتباطات انتظامه الداخلي بصراع المحاور. ويعترف هؤلاء العارفون بأن حزب الله بقي ملتزماً ببنودها في الشق المتصل بالداخل فيما اضطرته التطورات الإقليمية ومشاريع الحلول والتسويات التي تطبخ في أروقة الدول الكبرى الراعية للمخارج الجاري العمل عليها لوضع حدّ للنزاع السوري إلى الخروج عن الخط البياني المرسوم للبنود المتصلة بالوضع السوري لا سيما الضغوط الغربية التي تمارس على روسيا الموكل إليها مهمة إنجاز التسوية السورية استناداً إلى نتائج لقاء هامبورغ الشهير في اتجاه محاولة اقصاء المحور الإيراني بالقدر الممكن عن هذه التسوية وتقليص نفوذه إلى الحد الأقصى، على رغم تفوق النظام السوري مؤخراً على المعارضة واستعادته نحو 85 بالمئة من الأراضي السورية ويستعد لإستعادة آخر معاقل «داعش» في دير الزور، حملت الحزب على إعادة ترتيب استراتيجيته العامة في اتجاه إعادة التواصل مع النظام السوري في محاولة منه لإعادة تعويمه كحاجة إقليمية لفرض نفوذ إيران وتخصيصها بحصة وافرة في قالب الجبنة الذي تقسم حالياً بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية إلى عدّة مناطق نفوذ، من زيارات وزرائه لسوريا، إلى التنسيق العسكري في معركة تحرير الجرود إلى الاتهامات التي سيقت ضد الحكومة السابقة التي تحظى بتأييد واسع من الرئيس سعد الحريري ومن باقي مكونات الرابع عشر من آذار رغم بقاء القوات اللبنانية خارجها ودخول التيار الوطني الحر على خط المطالبة بإجراء تحقيق سياسي وعسكري لمعرفة ملابسات خطف العسكريين، ومن المسؤول عن عدم السماح للجيش اللبناني آنذاك بتعقب الخاطفين داخل بلدة عرسال السنية، وإجبارهم على الإفراج عن العسكريين المخطوفين سالمين.
هذا العامل الداخلي يكفي وحده أن يهزّ معه التسوية الداخلية وأكبر دليل على نجاحه في ذلك هو إلغاء احتفال النصر الذي كان مقرراً أن تقيمه الدولة اللبنانية اليوم الخميس دون ان يعطي أحد من المسؤولين تفسيراً مقنعاً لهذا الالغاء الأمر الذي حمل رئيس حزب القوات اللبنانية على ان يغرد على صفحته متسائلا عن سر وأسباب هذا الالغاء ومطالباً بفتح تحقيق قضائي لمعرفة الأسباب الحقيقية، الأمر الذي يؤشر على ان هناك خلافات بين الرئاستين الأولى والثالثة أدّت الى هذا الالغاء أو كما يعتقد العارفون وراءه ضغط مارسه حزب الله على الرئاسة الأولى لإلغاء احتفال كان سيظهر حجم الالتفاف الشعبي حول المؤسسة العسكرية فيما سلاحه ليس محط اجماع خلافاً لما برّرت به المصادر الرسمية بأن الالغاء يعود إلى أسباب أمنية بحت لا علاقة لها بالوضع السياسي الداخلي بحيث تحدثت المصادر عن مخاوف برزت عشية الاحتفال من ان تشكّل اقامته ارضا خصبة للخلايا الإرهابية النائمة التي ترغب بالانتقام من الجيش بعد الانتصار الساحق الذي حققه على داعش في معركة تحرير جرود القاع ورأس بعلبك.
هذه العوامل الخارجية والداخلية التي تجمعت في الآونة الأخيرة تُعزّز الاعتقاد السائد عند العارفين بإهتزاز التسوية الرئاسية التي عاشت قرابة السنة وبأن انعكاساتها السلبية ستبدأ على الحكومة قريباً رغم كل المحاولات التي يبذلها رئيسها لإبقاء وضعها في حالة ستاتيكو لتجاوز هذه المرحلة الصعبة باعترافه واعتراف جميع المسؤولين.