في بداية العام 2013 قُتل السجين الفلسطيني غسان قندقلي شنقاً في احد المراحيض التي تقع في الغرفة التي اتخذ منها “امراء رومية” مكاناً للعقاب، الذي يبدأ بالضرب باليد مروراً بالجلد، وهو انتهى مع قندقلي بالقتل، وذلك عقابا على ما فعله بارساله صوراً منافية من السجن الى احدى الفتيات.
واتُهم في هذه القضية اليمني سليم الصالح الملقب بـ”ابو تراب” واللبناني بلال ابراهيم الملقب بـ”ابو عبيدة”، فيما شاركهما في الجريمة متهمون آخرون من السجناء بينهم خالد يوسف الملقب بـ”ابو الوليد”، فضلا عن عسكريين اثنين متهمين بالاهمال بواجبات الوظيفة.
منذ احالة القضية امامها، اشبعت المحكمة العسكرية الملف درساً وسماعاً لافادات شهود من السجناء وضباط مسؤولين سابقين في السجن، بعد استجواب المتهمين الذين نفوا قتل القندقلي وانما الاخير “اقدم على الانتحار شنقاً”.
في تلك المرحلة من المحاكمات، تكشفت حقائق مخيفة عما كان يجري داخل المبنى “ب” في سجن رومية الذي بات “مملكة” لا يدخلها سوى من يرضى عنه امراء السجن ومن يلتزم بقوانينها، والا فان العقاب سيكون قاسيا على كل من يشتم العزة الالهية او يتعاطى المخدرات او اللواط.
وقبل ان تنطق المحكمة العسكرية برئاسة العميد الركن حسين عبدالله بالحكم في القضية، استمعت الى افادات ثلاثة شهود من الموقوفين في سجن رومية، وبدا ان اثنين منهم قد خشيا الافصاح عما يعرفانه عن الحادثة بعدما ادليا اولياً بافادات تؤكد تعرضهما للضرب كعقاب على يد “ابو تراب”.
واتخذ السجين احمد ح. من مثوله امس امام المحكمة كشاهد فرصة للاحتجاج على عدم محاكمته في قضية سرقة دراجة نارية، ومرور ثلاث سنوات على توقيفه من “دون ان ارى اي قاض”. وعن الحادثة قال:”لا اعرف عنها شيئاً”، مضيفاً:”كان بيني وبين ابو تراب وابو عبيدة مشكلة انما لا اعرف غسان تويني”، فصحّح له رئيس المحكمة:”تقصد غسان قندقلي”، فهزّ برأسه ايجاباً.
وعما افاد به اولياً من تعرضه للضرب على يد ابو تراب فنفى الشاهد ذلك موضحا ان “مشاكل عادية وقعت بيننا بسبب غرفة”.
وبسماع افادة الشاهد السجين أحمد ن. سئل عن افادته الاولية “المهمة” حول الحادثة كما وصفها رئيس المحكمة، فقال:”انا اكررها فنحن نتعاطى المخدرات وليس التفجير والارهاب، وبالتالي نحن نضرّ أنفسنا فقط”.
وبسؤاله اوضح الشاهد انه كان معرّضاً للقتل على يد ابو تراب بسبب تعاطيه المخدرات، ويوم الحادثة تم انزال قندقلي من زنزانته الى غرفة التعذيب وجلده، ثم “جلس الى جانبي في تلك الغرفة وطلب مني ارسال رسالة الى والده واخته بعد تهديده بالقتل” وان قندقلي قال للشاهد حينها “دمي برقبتك”.
ويضيف الشاهد ان قندقلي ابلغه بانه سيستحم ثم سمع صراخا بانه شنق نفسه، وعندما تم إخراجه من الحمام كان لا يزال يتنفس الا ان ابو عبيدة “دعس على رأسه وكبس نفسه وانا شاهدت هذا الامر”.
وتابع الشاهد يقول انه “رأى ابو عبيدة وابو تراب وملثمين يضربون قندقلي ويرفسونه” وان ثمة غرفة عمليات كانت موجودة في نظارة مقسّمة الى عدة غرف يقومون فيها بجلد السجناء”.
اما الشاهد احمد م. الموقوف بتهمة سرقة فقال بانه يتناول ادوية اعصاب ويوم الحادثة كان نائما على باب الحمام عندما استيقظ على صوت الصراخ انما عاد الى النوم نتيجة تناوله تلك الادوية ولم يكترث لشيء.
ومساءً، اصدرت المحكمة حكمها في القضية، فدانت بلال ابراهيم وسليم صالح بالسجن المؤبد وكلاً من محمود غصة وخالد يوسف وعامر الجاسم مدة ستة اشهر وحكمت على عسكريين بالسجن شهراً كما قضى الحكم بالصورة الغيابية بسجن كل من ابراهيم بيضون ووليد فرح وبوغوس طورسيان وأمين قهوجي بالسجن سبع سنوات وشادي الشيباني بالسجن ثلاثة أشهر.
وكانت المحكمة قد استمعت الى مرافعة ممثل النيابة العامة القاضي كمال نصار الذي طلب تطبيق مواد الاتهام بحق المتهمين، والى مرافعة وكيلة الدفاع المحامية هالة حمزة التي اعتبرت ان موكليها لم يُقدموا على قتل المغدور الذي اقدم على شنق نفسه نتيجة ظروف خاصة به، مشيرة الى ان السجين قندقلي حاول سابقا ولمرتين الانتحار شنقاً داخل السجن.
ولفتت الى عدم وجوب معاقبة موكليها على انهم “اسلاميون” كما أُطلق عليهم وانهم سيطروا على السجن وعاثوا فساداً فيه، وفق تعبيرها، وهنا قاطعها القاضي نصار معترضا طالبا شطب اقوالها من محضر الجلسة، خصوصا ان ثمة شخصا قد قُتل، لتعود المحامية حمزة وتتابع مرافعتها معتبرة ان لا مبرر لموكليها لقتل قندقلي، وكان بمقدورهم اوساعه ضربا وليس قتله كعقاب له على ارساله صورة منافية.
وانتهت الى طلب اعلان براءة موكليها من جرم القتل ومنحهم اسبابا تخفيفية لجهة اقدامهم على ضرب السجناء. اما وكيل العسكريَّين فطلب منحهما اسبابا تخفيفية بالاكتفاء بمدة توقيفهما.
وبسؤال المتهمين عن كلامهم الاخير طلبوا البراءة”.