بعد طول انتظار، رفعت وزارة البيئة منذ نحو أسبوعين خطة جديدة إلى مجلس الوزراء لـ«إدارة النفايات المنزلية الصلبة في لبنان». هذه الخطة ركّزت على تدابير «آنية» واستباقية لخطر إعادة تكدّس النفايات بعد سنة تقريباً، نتيجة خلل خطة النفايات الحكومية التي أُقرّت في آذار عام 2016. في المبدأ، لم تأتِ هذه الخطة بأي جديد، فهي أعادت طرح تفعيل فرز النفايات وتقليل حجم العوادم من خلال تحويل النفايات إلى RDF، وغيرها من التدابير. وفيما أقرّت الوزارة بأن عمر المطمرين لن يتجاوز سنة ونصف سنة، لم تُقدّم أي بديل أو اقتراح مُستدام من أجل المباشرة فيه، درءاً للخطر الذي حذرت منه في حال إقفال المطمرين نهائياً
سيبلغ مطمرا برج حمود- الجديدة والكوستابرافا سعتهما القصوى قبل المدة المُخططة لـعمرهما، التي حدّدتها خطة النفايات الحكومية بأربع سنوات، وذلك بسبب عدم التقيّد بنسب الفرز المُقررة من جهة، وتضاعف كميات النفايات المنتجة من جهة أخرى. وفيما كان مُقرراً أن «يخدم» المطمران ثلاث سنوات إضافية بعد مضي نحو سنة على المباشرة بطمر النفايات فيهما، تُفيد المعطيات بأن المطمرين لن يستطيعا استقبال المزيد من النفايات لأكثر من سنة ونصف، بحسب تقديرات وزارة البيئة، التي حذّرت في خُطّتها التي رفعتها أخيراً إلى مجلس الوزراء، من عودة النفايات إلى الشوارع إذا أُقفل المطمران ولم يجرِ التوصل إلى بديل لهما.
تقول مصادر مطلعة «إن الخطة التي رفعتها وزارة البيئة إلى مجلس الوزراء بتاريخ 17 آب الجاري، والتي طال انتظارها، لم تأتِ على قدر التوقعات من ناحية التخطيط الواقعي الذي ينسجم والوضع المأزوم الحالي». المفارقة، أن وزارة البيئة «اعترفت» في معرض خطتها الجديدة بشوائب خطة النفايات الحكومية، التي «لم تعكس رؤية وأهدافاً استراتيجية متكاملة تُساعد على تحقيق النتائج المرجوة بطريقة مستدامة (..)». ولأن هذه الخطة الحكومية لم تُبنَ وفق هيكل مؤسساتي واضح، أفضت إلى واقع فوضوي، لا تزال تداعياته تتفاقم يومياً، من معاناة أهالي مناطق الإقليم وعاليه والشوف المُستثناة من الخطة في تصريف نفاياتهم، مروراً بعدم القدرة على زيادة نسبة الفرز وتقليص نسب الطمر، وصولاً إلى التداعيات البيئية والصحية المتفاقمة جراء آلية أعمال الطمر في البحر في الموقعين. وسط هذا الواقع، تضمّنت خطة وزارة البيئة ما سمته «تدابير آنية واستباقية لبيروت وجبل لبنان»، بهدف «معالجة التحديات الحالية التي يُعاني منها القطاع» ومن أجل «الوقاية من أي أزمة نفايات مُرتقبة».
اقترحت الوزارة فرض رسوم على استخدام كل كيس بلاستيكي ما هي هذه التدابير؟
أحالت وزارة البيئة على مجلس الوزراء ما سمّته «خطة تنفيذية لسياسة الإدارة المتكاملة للنفايات المنزلية الصلبة في لبنان»، التي تنقسم إلى قسمين: الأول يتعلّق بـ «تدابير آنية واستباقية لبيروت وجبل لبنان»، والثاني يدور حول «تصوّر عام لخطة مستدامة لقطاع النفايات المنزلية الصلبة يساعد على خلق آليات عمل مستدامة لهذا القطاع». ونظراً إلى الوقت الذي سيأخذه تنفيذ السياسة المُستدامة، اقترحت الوزارة اتخاذ بعض التدابير «الوقائية» الآنية.
هذه التدابير أتت على مستويين: الأول يتمثّل بـ «التخفيف من إنتاج النفايات». في هذا الصدد، اقترحت الوزارة فرض رسوم على استخدام كل كيس بلاستيكي لتشجيع المستهلكين على إحضار أكياس التسوق الخاصة بهم (أكياس قماش يعاد استعمالها عدة مرات)، «نظراً إلى خطورة وجود الأكياس البلاستيكية في الطبيعة على البيئة لعدم قابليتها للتحلل السريع وللتقليص من النفايات البلاستيكية المنتجة يومياً والتي تشكل نسبة كبيرة من مجمل النفايات المنزلية الصلبة في لبنان (نحو 11.5%)». أمّا المُستوى الثاني، فيتعلّق بـ«المعالجة والتخلص النهائي من النفايات المنزلية». على هذا الصعيد، اقترحت الوزارة تطوير وتحديث وزيادة فعالية المنشآت المتعلقة بفرز ومعالجة النفايات المنزلية الصلبة والموجودة ضمن بيروت وجبل لبنان، إضافة إلى تقليل حجم العوادم من خلال تحويل النفايات إلى RDF (الوقود البديل الناتج من النفايات) في معامل الفرز واعتماد معامل الإسمنت للتخلص من هذا الـ RDF، فضلاً عن التخلّص من العوادم الباقية من خلال استخدامها لإعادة تأهيل المقالع أو عبر طمرها في مطامر صحية متخصصة (مع الإشارة إلى أن هذه الخطوة تستوجب قراراً فورياً بالتنفيذ لضمان جاهزية المطامر المقترحة لاستقبال نفايات عند بلوغ مطمري برج حمود والكوستابرافا السعة القصوى).
العودة إلى «تحدّي» الفرز
هذه التدابير المُقترحة هي بمثابة الإجراءات التي وجب أن ترافق تنفيذ الخطة الحكومية، خصوصاً لجهة رفع نسب الفرز عبر تفعيل المُنشآت والمعامل. الجدير ذكره أن البند المتعلّق بتفعيل معامل الفرز في الخطة الحكومية الجارية لم يُنفّذ بعد، فيما تُفيد معلومات «الأخبار» بأن غالبية النفايات التي تصل إلى المطامر حالياً غير مفروزة، بحجة أن المتعهّد الجديد لا يزال يقوم بتأهيل المعامل التي تسلّمها من «سوكلين»، على اعتبار أن المعامل مُهترئة ووضعها سيّئ. هذا الأمر هو الذي أدّى إلى تقليص عمر المطامر بالدرجة الأولى.
تقول الوزارة في خطتها، إن تطوير منشآت الفرز والمعالجة «يمكن أن يشكل فارقاً ملموساً لناحية تقليل كمية العوادم الناتجة». وتُضيف: «إذا رُكِّب نظام لإنتاج الـ RDF في معملي الكرنتينا والعمروسية، يمكن إنتاج أكثر من 500 طن من الـRDF، وبالتالي تخفيف العبء على المطامر الصحية»، مُشيرة إلى ضرورة إعطاء المعامل الكبيرة الأولوية في هذا المجال (معملي الفرز في الكرنتينا والعمروسية ومعمل الكورال للتسبيخ). وتلفت الوزارة إلى أنه توجد لائحة بمعامل الفرز والتسبيخ ضمن بيروت وجيل لبنان، «التي يمكن تطويرها بهدف زيادة فعاليتها».
أي دور سيلعبه مطمر الناعمة في الخطة الجديدة؟
تُشير الخطة إلى أنه في حال عدم توافر مقالع مناسبة لطمر العوادم، يمكن الاعتماد على المطامر الصحية الموجودة حالياً، شرط حصر الطمر بالعوادم فقط، فضلاً عن «المطامر الموافق عليها من قبل وزارة البيئة، ولا سيما مطمر الناعمة – عين درافيل ومطمر بصاليم، مع الإشارة إلى ضرورة إعداد الدراسات اللازمة قبل المباشرة بأية أعمال ضمن هذين المطمرين، ويجب التنبه للشروط الخاصة لكل منهما».
أقرّت وزارة البيئة بشوائب خطة النفايات الحكومية التي أُقرت في آذار عام 2016
وتقترح الوزارة في هذا الصدد إمكانية استخدام مطمر الناعمة – عين درافيل لهذه الغاية، إمّا عبر «استحداث جزء جديد في الخلية D3 من المطمر من خلال استحداث شقلة جديدة في الجزء الشرقي من المطمر، وتحتاج نحو 120 يوماً لتجهيزها وتكفي لنحو سنة»، وإمّا «استحداث خلية جديدة في المطمر ضمن المنطقة الرابعة تكفي لخمس سنوات، وإنما تحتاج إلى نحو 3 سنوات لتجهيزها، حيث تتطلب نقل جزء من البنى التحتية والتجهيزات ضمن المطمر»، وإمّا عبر «تأمين مساحات إضافية ضمن المطمر لاستقبال المزيد من النفايات في حال إعادة تصميم الغطاء النهائي».
أمّا بالنسبة إلى مطمر بصاليم، فتوصي الوزارة بـ«عدم تحويل أي نوع من النفايات الصلبة إلى هذا المطمر غير العوادم الخالية كلياً من المكونات العضوية أو الخطرة، نظراً إلى حساسية الموقع الجيولوجية والهيدروجيولوجية».
وتُشير الوزارة إلى أنه إذا تعذّر استخدام هذين المطمرين، فإنّ «من الممكن التسريع في استكمال إنشاء المطمر الصحي ومعملي الفرز والتسبيخ في منطقة سرار قضاء عكار». وتُضيف في هذا الصدد أن سرار من المواقع التي «لطالما استخدمت كمب عشوائي ويتعرض دائماً للاحتراق، وبالتالي إعادة تأهيل هذا المكب واعتماده كمطمر صحي للنفايات الصلبة الناتجة من قضاءي عكار وطرابلس ومن قسم من محافظتي الجنوب وجبل لبنان لن يساعد على استيعاب كافة النفايات الصلبة الناتجة من المناطق المذكورة فقط، بل سيساعد على إقفال كافة المكبات العشوائية الموجودة في المنطقة، ما يؤدي إلى تحسين جذري للبيئة في محيط الموقع».
14 شهراً لتنفيذ الخطة الآنية
اعتمدت الوزارة مهل التلزيم ضمن قطاع النفايات الصلبة التي سبق أن قامت بها الدولة اللبنانية خلال الأعوام الثلاثة المنصرمة. وبالتالي، حُدِّدَت المهلة الزمنية الإجمالية للخطة الآنية بـ 14 شهراً:
3 أشهر: مهلة للمختصين لدى وزارة البيئة ومجلس الوزراء ووزارة الداخلية والبلديات لوضع دفاتر الشروط وإطلاق مناقصات التصميم والتنفيذ والتشغيل.
شهران: مهلة للمتعهدين لتقديم العروض
شهر ونصف شهر: مهلة لدراسة العروض
شهر ونصف شهر: مهلة للتلزيم
6 أشهر: مهلة لتنفيذ الأعمال والاستحصال على الرخص اللازمة (هندسية بيئية…).
تجدر الإشارة إلى أنه وفق تقديرات وزارة البيئة، فإنّ المدة الباقية للطمر في مطمر الكوستابرافا 13 شهراً في حد أقصى (أي أواخر شهر آب عام 2018) ونحو 16 شهراً بالنسبة إلى مطمر برج حمود (أواخر تشرين الثاني عام 2018). بهذا المعنى، يأتي موعد تنفيذ هذه الخطة، بعد شهر من تاريخ توقف مطمر الكوستابرافا عن استقبال النفايات وقبل موعد إقفال مطمر برج حمود-الجديدة بشهرين، ما يطرح تساؤلاً عن كيفية تدارك الوضع حينها.
ماذا عن تفاصيل «التصوّر العام»؟
في القسم الآخر من الخطة والمتضمن «التصور العام لخطة مُستدامة لقطاع النفايات المنزلية»، ترد عناوين عامة وشاملة سبقت الإشارة إليها تحت عناوين «عريضة» في الخطط السابقة والمتمثلة بـ «تأمين إطار تشريعي ومؤسساتي داعم للإدارة المتكاملة»، و«إجراء دراسة علمية مفصلة عن خصائص النفايات المنزلية الصلبة في لبنان»، فضلاً عن «إجراء مسح ميداني ودراسات جيولوجية لتحديد المواقع المحتملة لإنشاء مرافق لإدارة النفايات» و«تقسيم لبنان إلى مناطق خدماتية استناداً إلى أسس علمية (..)» ـ وغيرها.
هذه العناوين هي بمثابة مستويات حُدِّدَت من أجل العمل عليها لاحقاً فقط، ولم ترفق بأي تفاصيل دقيقة حول موعد المباشرة بها أو معلومات حول المخطط الواجب اعتماده للتسريع بهذا التصور وتنفيذه وغيرها. كذلك فإنها لم تأتِ شاملة ولا متكاملة كما كان متوقعاً، إذ لم تشمل طرق معالجة النفايات الخطرة على أنواعها وحتى المنزلية منها كالألكترونية.
(الاخبار)