المطلوب حماية طرابلس من “لعنة الموارد السياحية والأثرية”
رائد الخطيب
لنتفق أولاً أنَّ المجلس السياحي لمدينة طرابلس، يقوم بجهدٍ جبّار، رغم السيولة القليلة بين يديه، المتأتي من الدعم السياسي بالدرجة الأولى، بعدما عكفت معظم المؤسسات التجارية والعقارية والمالية الكبيرة في المدينة من سداد المتوجب عليها ومن أجلها، كونْ أي تنشيط سياحي من شأنهِ أن يحرك الأوضاع راساً على عقبْ، فالمحال التجارية ستعمل وكذلك المطاعم والمقاهي، وأيضاً حركة الأموال ستزيد، اذا افترضنا أنَّ “القلعة تنور عيدنا” هي على مدى ثلاثة أيام، خصوصاً وأن لا بطاقات مدفوعة الثمن، بل المطلوب هو دعم بعض المؤسسات المساندة للنشاط وطبعاً هي مسألة شخصية لا أحد مكره على الشراء، ولكن أعتقد أنَّ المجلس السياحي للمدينة سيضخ ما يقارب ال40 ألف دولار خلال ثلاثة أيام للفنانين المشاركين وللاعلانات الطرقية والى كل ما يمت الى هذا النشاط بصلة، ويبقى أن نسبة الحضور أي أعداد المشاركين في عمليات الشراء والبيع ونشاط النقل العام وغيرها سيحرك كتلة مالية يدفعونها بأشكال مختلفة، لن تقل عن 40 ألف دولار خلال ثلاثة أيام العيد، وربما أكثر.
نحو 136 معلماً أثرياً في العاصمة الثانية، بالاضافة الى أنَّ أكثر من نصف المدينة واذا ما أضيف اليها الجزر والواجهة البحرية في الميناء، لا يجب أن تبقى خارج سياق مطابخ صنَّاع القرار في المدينة ولا قادتها في الحراكين السياسي والمدني، وإلا ترتبت آذار سلبية بالغة الخطورة وهي استمرار شح فرص العمل، وكذلك نسبة البطالة المتنامية في المدينة والتي لا تقل عن 21000 شاب وصبية تخرجوا من المجتمعات ليصطدموا بجدران البطالة، ويكمن جوهر هذه المسألة في ما يسمى ب”مفارقة لعنة الآثار والمراكز السياحية”، وهي أن الفوائد المفترضة، لاستنهاض جزء من نقاط القوة في العاصمة الثانية، يبقى مطوياً في النسيان والغبار، ويمكن أن يؤدي إلى عواقب اجتماعية واقتصادية سلبية شديدة، بما في ذلك الصراع، وانتشار الفساد، بل وحتى الفقر والجوع، وهناك سبيل واحد للتخفيف من إمكانية هذه اللعنة وهو الاقتداء بتحريك المعالم السياحية والأثرية في المدينة، كما يخطو الآن المجلس السياحي في حزيران الماضي حرك خان العسكر وهذه المرة حرك القلعة من الأمن الى السياحة، عنصران مكتملان لفك “الرصد” عن المدينة التي يبلغ أعداد فقرائها أكثر من 60 في المئة.
“العاصمة الاقتصادية” للبنان، لا يمكن أن تكون اسماً يفتقد الى المضمون، بل عليها أن تستفيد من نقاط قوتها وفي طليعتها السياحة التي يمكنها أن تؤمن ملاذاً آمناً لخريجي الجامعات، أذا ما استغل الأمر كما يجب، وللتذكير فإن منطقة الضم والفرز أو ما يعرف بالشارع 32 يوفر وظائف لنحو 3000 شاب وصبية، وهم بذلك يوفرون لعائلاتهم العيش بكرامة ومنعها من التسول أو طلب خدمات غذائية وصحية، ولكن ماذا لو حرَّكَ صناع القرار 136 معلماً أثرياً وتحركت الجزر قبالة شاطئ الميناء، كم برأيكم سيكون جيش الموظفين بدلاً من أن نتحدث عن جيوش العاطلين من العمل.
إن الاستنهاض الناجح للموارد السياحية والأثرية الطبيعية لا يحتاج إلى الإشارة إلى الإهمال والکآبة، وقد أصبحت بعض البلدان بالفعل فائزين في النمو بسبب السياحة، تركيا، مصر، اليونان، وغيرها متحدين كل أسباب الفقر على الصعيد الاقتصادي في بلادهم، وبالتالي علينا توفير هذه الموارد للاستثمار بدلاً من طرد المستثمرين مع الغبار والاهمال المتركم عليها.
وطرابلس الآن تجد نفسها في وضع يجب عليها أن تنظر فيه وتزن الفوائد والمخاطر المحتملة التي يمكن أن تنتج استمرار الاهمال والتمادي اللاحق بمواردها السياحية والأثرية، الجميع يؤكد أن القطاع السياحي في المدينة لا يعمل بكامل طاقته، ولا حتى بربعها، يمكن الاستدلال على ذلك من بيانات وزارة السياحة ثمة أعداد لا تتجاوز الألف تزور المدينة من أصل 1.4 أو مليوني شخص يزورون لبنان، وهؤلاء مع المغتربين يشكلون من الانفاق السياحي الذي يراوح ما بين 8 الى 10.5 مليارات دولار، أقل بكثير من نصف في المئة، وهذا الواقع أدى إلى زيادة تعرض المدينة للصدمات الخارجية وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
ومن الفكرة الرئيسية في نظرية النمو الاقتصادي الحديث أن أي بلد يهدف إلى إيجاد نمو شامل ومستدام يجب أن ينوع اقتصاده، وأعتقد أن الدينة التي تملك نقاط قوة واضحة هي القطاع السياحي، وعلى المؤسسات الكبيرة في المدينة دعم نفسها من خلال الدعم الذي ستقدمه الى السياحة ولا يقتصر الدعم فقط على المجلس السياحي للمدينة بل على كل نشاط سياحي، بحيث سيكون احتمال سقوط طرابلس في مصيدة الاعتماد على خزينة الدولة “المفلسة” احتمالاً مستبعداً، وإلا علينا أن نسقط مجدداً في هوة الفقر ويصعب وجود منقذ يخرجنا….والمؤسسات الكبيرة أول المتضررين!!!