الصورة الأهم في شريط الأحداث السياسية والأمنية في لبنان، أمس، لم تكن في بيروت أو في أي من المناطق المأهولة الأخرى وإنّما من مرتفعات رأس الحمرا في جرود رأس بعلبك.. هذه المرتفعات النائية التي لم يكن أيٌ من اللبنانيين، ما عدا أهالي رأس بعلبك، قد سمع باسمها قبل أن يطأها الإرهاب في العام 2014، وبات من الصعب على اللبنانيين أن ينسوا اسمها. فصورة رئيس الحكومة سعد الحريري، في تلك المرتفعات المشرفة على محاور القتال، وإلى جانبه قائد الجيش العماد جوزف عون وحولهما العسكريون، ضباطاً وجنوداً، الذين يخوضون الحرب ضد الإرهاب في جرود رأس بعلبك والقاع، عبّرت أيّما تعبير عن حضور الدولة القوي والمتماسك الذي لطالما تطلّع إليه اللبنانيون لكونه يشكّل عنصر الإطمئنان الأوّل والأساسي لهم، ولا يمكن لأي حضور آخر أن يعوّضه..
ففي مرتفعات رأس بعلبك كان تكامل السياسة التنفيذية مع الميدان العسكري واضحاً ومطمئناً لكل اللبنانيين الذي شعروا أنّ دولتهم بمؤسساتها الدستورية والعسكرية موحّدة واثقة من نفسها وتمسك زمام المبادرة في مواجهة الإرهاب.. وهو ما عبّر عنه الرئيس الحريري من ثكنة فوج الحدود البرية الثاني في رأس بعلبك، حيث شدّد على أن «كل لبنان، من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الى رئيس مجلس النواب نبيه بري، الى الحكومة وكل النواب والوزراء وكل الشعب اللبناني، الجميع يقف مع الجيش، والإنتصار قريب».
هذا «الإنتشار السياسي» الواسع حول الجيش الذي عبّر عنه الحريري، كان قد قابله في الميدان «عملية إعادة تمركز وانتشار في كامل البقعة التي حرّرتها وحدات الجيش من تنظيم داعش الإرهابي خلال الأيام الماضية»، على ما جاء في بيان قيادة الجيش أمس، والذي أكدّ «عدم وجود أي وقف لإطلاق النار ضدّ المجموعات الإرهابية حتّى دحرها بصورة نهائية».
علماً أنّ الحريري كان قد خاطب العسكريين في الثكنة بالقول: «أنتم من يقرر موعد هذا الانتصار لأنكم تعلمون متى يجب أن تنتهي العملية»، قبل أن يؤكد من عرسال التي زارها أمس أيضاً، «لأنّه من واجبنا كحكومة أن نكون إلى جانب أهل عرسال، الجيش سينتشر في كل الجرود، ووحده يحمي كل الأراضي اللبنانية».
كذلك، كان لافتاً تقاطع الرئيسين ميشال عون والحريري على تأكيد مباشرة الإنماء في المنطقة بعد إنتهاء العمليات العسكرية في جرودها، ولا سيما منطقة عرسال، ففي وقت أبلغ رئيس الجمهورية زواره بأن «مرحلة ما بعد تحرير هذه المناطق ستكون لإنمائها وازالة الرواسب التي خلفتها الأوضاع الشاذة التي سادت خلال الاعوام الماضية»، وعد الحريري أهالي عرسال من مقرّ بلديتها بأنّ الحكومة ستنفذ مشاريع عدّة في البلدة والمنطقة عموماً، مذكراً بأنّ «مجلس الوزراء قد أقر منذ اسبوع مبالغ مالية لعرسال والمنطقة، وسنكمل على هذه الوتيرة».
أمّا الرسالة السياسية الأبرز لرئيس الحكومة من البقاع الشمالي، فكانت تأكيده انّه «بالرغم من الخلافات لن ندع أي خلاف سياسي يمس استقرار لبنان واقتصاده وأمنه، وأتمنى على الجميع ألا يدخلوا هذه المعركة في الخلافات»، وهذه رسالة لا شكّ أنّها من وحي الزيارة لأنّه من نوافل القول إنّ الاستقرار السياسي يحصّن انجاز الجيش في حربه ضدّ الإرهاب، كما أنّه يحمي ظهره فيها.
ميدانياً، باشرت وحدات الجيش إعتباراً من فجر أمس، تنفيذ عملية إعادة تمركز وانتشار في كامل البقعة التي حرّرتها من تنظيم داعش الإرهابي خلال الأيام الماضية، وهي تواصل، بحسب ما أشارت إليه قيادة الجيش – مديرية التوجيه في بيان، استعداداتها الميدانية تمهيداً للقيام بالمرحلة الرابعة من عملية «فجر الجرود». فيما تقوم الفرق المختصة في فوج الهندسة باستحداث طرقات جديدة وأعمال تفتيش بحثاً عن الألغام والعبوات والأفخاخ لمعالجتها فوراً. وأكدت عدم وجود أي وقف لإطلاق النار ضد المجموعات الإرهابية حتى دحرها بصورة نهائية.
يأتي ذلك بعدما كانت وحدات الجيش القتالية قد نفّذت اعتباراً من فجر أمس الأول وتحت غطاء جوي ومدفعي مكثف، المرحلة الثالثة من عملية «فجر الجرود» بحيث تمكنت من تحرير نحو 20 كلم2، وبالتالي بلغت المساحة المحررة منذ بدء المعركة وعمليات تضييق الطوق نحو 100 كلم2 من أصل 120 كلم2، بحسب ما أعلنت قيادة الجيش.
وكان قائد الجيش وصل، ظهر أمس، على متن طوافة عسكرية إلى ثكنة فوج حماية الحدود البرية، وإنطلق منها لتفقّد وحدات الجيش على الخطوط الأمامية لجبهة «فجر الجرود».
ايلي القصيفي – المستقبل