قرار مجلس الوزراء القاضي بإعادة استدراج عروض استقدام معامل كهرباء عائمة (بواخر كهرباء) يحدّد شروطاً صعبة التحقيق في مهلة زمنية ضيّقة للغاية، ما يحدّ من المنافسة ويزيد الشبهات القائمة حول تفصيل دفتر الشروط على قياس شركة ما. دفتر الشروط الجديد يعزّز الشبهات المثارة حول هذه الصفقة، سواء لجهة الشروط الإدارية والمالية التي فرضها مجلس الوزراء، أو لجهة تعديل المواصفات الفنية وقبول عروض لمعامل كهرباء تعمل بواسطة «الفيول أويل» أو«الديزل». ونوع الوقود الأخير كان مرفوضاً سابقاً قبل أن يُعدّل دفتر الشروط من أجله، ما دفع إدارة المناقصات إلى رفض عرض BBE وبقاء عارض وحيد هو «كارادينيز»
في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، نوقش ملف استدراج عروض بواخر الكهرباء (السابق) انطلاقاً من تقرير مدير المناقصات جان العلية، لكن النقاش في تلك الجلسة لم يعكس جدية ملاحظات العلية، اذ إن بعض الوزراء استعملوا “التقرير” بهدف “التنقير” على وزير الطاقة وإحراجه، من دون أي نيات لتصحيح مسار استدراج العروض الملغى، بدليل أن الشروط التي حدّدها مجلس الوزراء لاستدراج العروض الجديد لا تتضمن أي تعديل بنيوي عن استدراج العروض الملغى، بل تؤدّي إلى تضييق المنافسة بدلاً من توسيعها، ثم تفتح بازار “توسيع المواصفات” بقرار من مجلس الوزراء لتتضمن قبول العرض الذي كان مرفوضاً من إدارة المناقصات في الاستدراج السابق. هذه هي خلاصة قرار مجلس الوزراء الأخير ودفتر الشروط الجديد المدرج على جلسة مجلس الوزراء في جلسته المقررة غداً.
نص قرار مجلس الوزراء
ينصّ قرار مجلس الوزراء الرقم 60 على الآتي:
ــ إلغاء استدراج العروض المتعلق باستقدام معامل توليد الكهرباء العائمة بسبب وجود عارض وحيد وعدم فض العرض المالي وإعادته إلى الشركة التي سبق أن تقدمت به.
ــ الطلب إلى وزير الطاقة والمياه إعداد دفتر شروط جديد لاستقدام معامل لتوليد الكهرباء بقدرة 400 ميغاواط لثلاثة أشهر، و400 ميغاواط لستة أشهر من تاريخ فضّ العروض، وعرض دفتر الشروط خلال مهلة أسبوع على مجلس الوزراء لإقراره، على أن يتضمن دفتر الشروط المذكور كفالة تأمين مؤقت بقيمة خمسين مليون دولار أميركي لكل 400 ميغاواط، وتأمين نهائي وغرامات التأخير عن مهلة التسليم المحدّدة بـ 90 يوماً للقسم الأول و180 يوماً للقسم الثاني من تاريخ فضّ العروض.
ــ تكليف إدارة المناقصات استدراج العروض وفقاً للقواعد الآتية: إعطاء الشركات التي ترغب في المشاركة باستدراج العروض مهلة أسبوعين لتقديم عروضها، والالتزام بمهلة 10 أيام لفضّ العروض ورفع نتيجة استدراج العروض على مجلس الوزراء بتاريخ 15/9/2017، وتشكيل لجنة تقنية من قبل وزير الطاقة والمياه لدرس وتقييم العروض الإدارية والمالية مع إدارة المناقصات.
ماذ يعني هذا القرار؟
في الواقع، إن قرار مجلس الوزراء يركّز على أمور ذات طابع إداري بحت، لكن اللافت أنه لم يذكر كلمة “عائمة”، أي أن العروض التي ستكون مقبولة لا تتعلق ببواخر الكهرباء حصراً، بل قد تكون عروضاً لإنشاء معامل ثابتة على اليابسة، واللافت أيضاً أنه جرى تقليص مهل التسليم، بما ينافي أي منطق تجاري، وهو ما يثير أسئلة واسعة عن الهدف من ذكر هذا الأمر في متن قرار مجلس الوزراء: فمن هي الشركة التي ستكون جاهزة لتسليم معمل كهرباء ثابت أو عائم خلال 3 أشهر؟ كم هو عدد الشركات القادرة على تقديم عرض في ضوء التجربة السابقة في استدراج العروض الملغى الذي لم يبقَ فيه سوى عارض وحيد بعد زيادة مهل التسليم من 3 أشهر إلى 12 شهراً؟ وإذا كان يمكن إنشاء معامل كهرباء على اليابسة خلال 3 أشهر أو 6 أشهر، فلماذا أصلاً اللجوء إلى البواخر؟ ولماذا لا تبني مؤسسة كهرباء لبنان معامل مماثلة لها دائمة وليست مؤقتة؟
الشروط لا تتضمن أي تعديل بنيوي عن استدراج العروض الملغى
يفرض قرار مجلس الوزراء كفالة مؤقتة بقيمة 50 مليون دولار، هذا الشرط جاء بعد نقاش حول جديّة العروض التي تشارك في المنافسة على استدراج عروض بواخر الكهرباء، وهو شرط يمكن قبوله رغم أن الكفالة المعتمدة في المناقصات العمومية لا تتعدى 3.5% من القيمة الإجمالية، لكنه يبقى شرطاً مقبولاً في مناقصة دولية كهذه. لكن ما ليس مقبولاً، هو أن يمنح العارض مهلة أسبوعين فقط لتقديم العرض! أي شركات لديها القدرة على تقديم عرض بهذا المستوى من التعقيد الفني والتقني خلال 15 يوماً؟ ومن الأسئلة التي يثيرها القرار ما يتعلق بالتكليف الموجّه لإدارة المناقصات مع تشكيل لجنة تقنية من قبل وزير الطاقة والمياه لدرس وتقييم العروض الإدارية والمالية مع إدارة المناقصات. فإذا كانت إدارة المناقصات هي الجهة المعنية بفضّ العروض، فلماذا يشكّل وزير الطاقة لجنة تقنية مهمتها “تقييم العروض الإدارية والمالية”؟ وما هي صلاحيات هذه اللجنة، هل هي لجنة استشارية أو أن تقريرها سيكون ملزماً لإدارة المناقصات؟ ولماذا لا تعامل وزارة الطاقة مثل كل الإدارات العامة التي تسمي مندوبين لها في اللجنة لهم رأي استشاري تقني؟ ألا يشكّل هذا الأمر تعدياً على صلاحيات إدارة المناقصات بعد حرمانها من فرصة دراسة دفتر الشروط وإبداء ملاحظاتها عليه، أم أن مجلس الوزراء يريد تكرار مشكلة استدراج العروض الملغى مع فرق وحيد وهو إلزام إدارة المناقصات بمخالفة القوانين بناء على قرار مجلس الوزراء؟
تقرير العلية
لقد تضمن تقرير جان العليّة الكثير من الملاحظات على إجراءات التلزيم ومسار استدراج العروض القانوني والإداري وطريقة احتساب الأسعار وسواها… لكن ورد فيه أمران أساسيان؛ الأول يتعلق بالتعديلات التي أجريت على دفتر الشروط أثناء عملية التقييم، أي بعد تقديم الشركات عروضها. والثاني يتعلق بالعارض الثاني الذي رفضت إدارة المناقصات اعتباره عارضاً مقبولاً.
بالنسبة إلى الشق الأول، تبيّن أن الاستشاري لم ينجز عمله، بل طلب من العارضين مستندات إضافية ورفع تقريره قبل تسلّم هذه المستندات، فيما قدّم أجوبة للشركات عن أسئلتها أحدثت تعديلات على دفتر الشروط، منها توسيع مهلة التسليم إلى 12 شهراً. تعديل كهذا، كان حيوياً وفتح الباب أمام الشق الثاني، إذ شكل سنداً للطلب من إدارة المناقصات اعتبار العارض الثاني BBE (البساتنة) عارضاً مقبولاً يتوجب فتح عرضه إلى جانب عرض شركة كارادينيز. عرض البساتنة، بحسب تقرير العلية، كان يتضمن نقصاً في مستندات جوهرية، فضلاً عن أن المستندات المطلوبة تتوافق مع الشروط المعدلة من قبل الاستشاري وليس مع دفتر الشروط الأصلي… وعرض البساتنة هو معمل عائم واحد في موقع الزهراني يعمل بواسطة الديزل بقدرة 325 ميغاواط، أي أقل بكثير من القدرة المطلوبة 382.5 ميغاواط. وقد اشتكت إدارة المناقصات من القبول بتعديل الوقود من فيول أويل إلى ديزل، فيما هناك شركات اعترضت على هذا الأمر ولا سيما تلك التي تعمل بواسطة الغاز المنزلي.
استبعاد الغاز
في الواقع، إن الحجّة التي استعملها وزير الطاقة سيزار أبي خليل في مجلس الوزراء لتبرير موضوع إصراره على أن يكون وقود المعامل في لبنان هو الفيول أويل في انتظار تلزيم منصات تحويل الغاز السائل واستعمال الغاز المسال، هي أن للدولة اللبنانية عقوداً من دولة لدولة مع الجزائر والكويت لشراء الفيول أويل، وهي عقود تؤمن حاجة لبنان من هذه المادة لتشغيل معامل الكهرباء، ولذلك فإن الوقود المتوافر بالنسبة إلى الكهرباء هو الفيول أويل. المفاجأة أنه يرد في دفتر الشروط الجديد بند يتيح قبول العروض التي تتضمن التشغيل بواسطة الديزل! ويشير دفتر الشروط المعروض على مجلس الوزراء، الى أنه “ستكون منشآت إنتاج الطاقة مؤلفة من وحدات إنتاج الطاقة والأعمال المدنية والأعمال البيئية والبحرية والأعمال المتعلقة بلزوم تخزين المحروقات ولزوم الربط على الشبكة، ولزوم تحسين خطوط النقل اللازمة لتصريف الطاقة المنتجة وكل الأعمال اللازمة للأنظمة المساعدة. ستعمل الوحدات الإنتاجية على الفيول الثقيل أو الديزل بطاقة صافية 400 ميغاواط (+/- 10%) في كل موقع”. ألا يعني هذا الأمر أنه فتح الباب أمام الشركة الوحيدة التي قدّمت العرض على الديزل؟ ولماذا استبعد الغاز المنزلي من هذا الأمر طالما أن الشركة تتعهد تأمينه، وطالما أن تجمّع محتكري الغاز في لبنان يستأجرون كل خزانات الغاز المنزلي الموجودة على الساحل اللبناني وهم يتركونها فارغة للإبقاء على احتكارهم لاستيراد هذه المادة التي يمكن استعمالها في إنتاج الكهرباء بكلفة أقل بنسبة 25% وقد تصل إلى 40% مقارنة مع الفيول أو الديزل.
يضيف دفتر الشروط أنه بسبب عدم توافر المساحة اللازمة للمشروع على الأرض في موقعي دير عمار والزهراني، فإن المنشآت المقترحة ستكون إما عائمة أو على مواقع متاخمة للمنشآت الموجودة حالياً… من دون أن يكون هناك تعارض بين البنى التحتية للمنشآت الموجودة والمنشآت المقترحة، وفي هذه الحالة على العارضين أن يتأكدوا على نفقتهم الخاصة من كلفة وشروط عقد إجارة الأرض اللازمة لإنشاء المشروع المقترح”.
ومن الشروط أن العرض يقدّم لثلاث سنوات، مع إمكانية تجديده لفترة أخرى يكون أقصاها خمس سنوات. وهذا الأمر غريب جداً، إذ إن هناك إجماعاً لدى الشركات التي تعمل في مجال صناعة الطاقة الكهربائية على أن مردود الاستثمار في مولدات تؤجر لمدة قصيرة سيكون أقل من مردودها التأجيري لفترة أطول، وهذا أمر يجب تحديده بدقّة في دفتر الشروط من أجل الحصول على سعر أرخص.
(الاخبار)