كتب الصحافي فارس خشان على صفحتة عبر الفيسبوك:
قبيل الثورة السورية كنّا ” نحن العملاء الخونة” بأسوأ الأحوال، إستضعافا واستفرادا. الآن لسنا طبعا “عال العال”، ولكننا لم نعد مستفردين، فمثلنا ومعنا، سوريون معارضون كثر.
قبيل الثورة السورية، كاد محور حزب الله-بشار الاسد يسجل انتصارا ساحقا ماحقا.
لم يكن هذا الحلف، على الرغم من إذلال قيادات لبنانية كثيرة، يحتاج حتى الى غطاء، ولو كان شفّافا جدا.
رمى المحور هذا الغطاء أرضا، بعنجهية واستكبار، وراح يُمعِن في تمزيقه، مسخّرا لذلك بعضا منّا.
طبعا، جرت مقاومة هذا الاجتياح، ولكن كانت هذه المقاومة هزيلة وضعيفة ومستفردة.
كان خطاب الغالبية محصورا بشأن داخلي، وراح يتعمّق-هروبا-في الحديث عن الشرعيات الطائفية.
وهذا الحديث بذاته هزيمة كبرى، لأنّ روح ١٤ آذار الأصلية هي عابرة للطوائف. هي اندماج للخصوصيات برؤية وطنية.
وأتت الثورة السورية.
أُربك المحور المنتصر، ثم راح يُمْنَى بخسائر فادحة. أوقف تمزيق قوى لبنانية تعارضه، وراح يجذبها، مستغلا قدرته على الترهيب- بالاغتيالات التي تواصلت حينئذ- والترغيب- بمقاسمة النفوذ وليس السلطة التي بقي محتكرا لها باحتكاره العنف.
وكانت الفجيعة التي أجاد هذا المحور تدبيرها، نظرا لتاريخه الاحترافي الطويل في هذا المضمار.
كان “داعش”.
الحلم الذي بدأه هذا المحور بأفلام مفبركة عن الذبح ، وبحسابات وهمية منسوبة الى”أهل السنة” تحترف التخويف المذهبي والطائفي، وبمخطط ميشال سماحة-علي مملوك، تحقق له.
جاء “داعش” وصنع للمحور كل ما يشتهيه.
وبفضل”داعش” جرت محاصرتنا من كل حدب وصوب، نحن وأحرار سوريا.
وبسبب “داعش” أُبقي بشار على “عرش الجماجم” ونال”حزب الله” مبررا لتحصين سلاحه وتمديد رقعة حروبه إلى حيث يرتأي الحرس الثوري الايراني.
ولكن هذا المحور لم يعد الى ما كان عليه قبيل الثورة السورية، وتاليا فموقع احرار لبنان وسوريا يبقى افضل مليون مرة ممّا كان عليه سابقا.
صحيح أنّ هذا المحور سيفجّر شرايين رقابه الثلاث، وهو ينادي بانتصاره، ولكن الصحيح أكثر أن المعارك التي كسبها لم تكسبه حربا دخلت عليها، ميدانيا، كبريات عواصم مجلس الأمن ومصالح الدول الحدودية.
وهذا يعني، أن لا عودة ممكنة الى ما كانت عليه وضعية أحرار البلدين، قبيل الثورة السورية.
وعلى هذا الأساس، فإن الحرب التي يشارك فيها لبنان، عبر جيشه حصرا، وفق تقييم عواصم التحالف الدولي ضد الارهاب، هي حرب لمصلحة أحرار لبنان وسوريا، لأن الخلاص من “داعش”-وقد وجد المحور نفسه مضطرا للدخول في المسار الدولي المرسوم- يُعيد تصويب البوصلة لتعود الثورة ثورة.
الثورة ليست بندقية عقائدية. الثورة هي نضال بعناد موج البحر من أجل التوصل الى تصوّر للعيش في مناخ معافى بالحرية، في ظلال ديمقراطية سليمة.
ما يهمنّا، في كل ذلك، أن لا ننجذب الى حيث تذهب بعض القيادات، عن مطمع او عن شراء وقت، وأن نُبقي صوت مبادئنا مرتفعا، غضب من غضب، وحرد من حرد، وشتم من شتم.
ثباتنا الذي تنقصه مكبرات الصوت، إذا ما تمرّد على “الثغاء”، كفيل في اللحظة المناسبة أن يُنتج.
ونحن لسنا قلة، بل كثرة كاسرة، ولو فرقتنا الجغرافيا والمخاوف وتنامي مدارس نشر ثقافة الاستسلام.
الإحباط مفهوم، ولكن يجب أن يكون ككسوف الشمس مرحليا…
بالتدقيق نحن أقوى مما كنا عليه، قبيل الثورة السورية.
وبعد نهاية “داعش”، سنكون بالقوة التي كنا عليها قبل ظهور هذا التنظيم المعادي للثورة وللحرية وللحياة.
بعد “داعش”، ستنتفي الحاجة الى كثير من اللاعبين ضدنا، وهؤلاء سيعودون الى الوضعية السيئة التي كانوا عليها قبل ان يرفدهم “داعش” بالاوكسيجين.
المهم، أن نحذر التيئيسيين، وهم من فئتين: فئة تريد أن نُصاب بهزيمة نفسية، حتى لا تقوم لنا قيامة، وفئة تريدنا أن نصفق لمقايضتها النفوذ بالمبدأ، حتى لا تخسر أصواتنا في انتخابات نيابية، إذا حصلت.
وبمطلق الأحوال، نحن المواطنون الذين ليس لدينا أطماع في سلطة ولا خوف من خسارة مكتسبات، لا يضيرنا ان نجمّل صبرنا الاضطراري برؤية ما بقي ممتلئا من الكوب، ففي عبور الصحراء نقطة ماء تساوي نبعا دفّاقا في حديقة غنّاء، لأنها تمنع الموت وتسمح بالوصول الى المرتجى…