تَقاسَم المشهد اللبناني يوم أمس عنوانان، أوّلهما سياسي تمثّل في زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري للكويت حيث أجرى محادثاتٍ مع سمو الأمير وكبار المسؤولين تركّزت حول سحْب «فتيل» إمكان تَحوُّل قضية «خلية العبدلي» عنصر توتيرٍ للعلاقة التاريخية بين البلدين، وثانيهما أمني ويتّصل بدخول المعركة التي سيشنّها الجيش اللبناني ضد تنظيم «داعش» في جرود رأس بعلبك والقاع على الحدود الشرقية مع سورية مرحلة العدّ العكسي.
وإذا كانت محطة الحريري للكويت شكّلتْ امتداداً للدور المحوري الذي يلعبه رئيس الحكومة في أكثر من اتجاهٍ دولي وعربي في سياق محاولة احتواء تشظّيات الأدوار العسكرية والأمنية لـ «حزب الله» خارج لبنان وتالياً توفير مقوّمات صمودٍ أكبر للواقع الداخلي في غمرة المنعطف الذي دخلتْه المنطقة ولا سيما من بوابة تطورات الأزمة السورية، فإنّ العملية العسكرية للجيش ضدّ «داعش» والتي أزيلت آخر العقبات أمام انطلاقها مع الاستعدادات التي كانت تُستكمل نهار أمس لخروج مسلّحي «سرايا أهل الشام» (بقايا «الجيش السوري الحر») وعائلاتهم من جرود عرسال الى بلدة الرحيبة السورية في القلمون الشرقي، بدتْ محفوفةً بـ «غبار» سياسي كثيفٍ اعتُبر في إطار السعي الى التبديد المسبق لـ «الرصيد» الذي يُراهَن على أن يصبّ في خانة «محو الصورة» السلبية التي ظهّرتْها أخيراً عملية «حزب الله» ضدّ «جبهة النصرة» في جرود عرسال لجهة اتساع رقعة «تكليف» الحزب «مهمات حمايةٍ» للبنان.
ولا يمكن في هذا السياق الفصل بين الدفْع الممنْهج لـ «حزب الله» وحلفائه نحو التنسيق مع النظام السوري سواء في ملف النازحين أو المعركة ضدّ «داعش» وصولاً الى الإخراج العلني لمسألة زيارات عدد من الوزراء لدمشق ابتداءً من هذا الأسبوع، وبين المحاولة المستمرّة منذ عملية «حزب الله» في جرود عرسال لتوظيف هذا المكسب في خانة المحور الذي يشكّل رأس حربته وأجندته في المنطقة ولا سيما في سورية وتالياً تظهير لبنان على أنه «سقط» في الحضن الإيراني بالكامل.
وإذ تشير دوائر متابعة الى تعمُّد «حزب الله» وضْع نفسه «شريكاً» للجيش اللبناني في معركته ضدّ «داعش» سواء من خلال إطلاقه مع الجيش السوري عملية مقابِلة في الأراضي السورية او إعلانه «لن نترك الجيش اللبناني عرضة لاستشراس (داعش) وسنقوم بواجبنا في مد يد العون الميدانية له حيث يلزم وحيث يطلب»، تلفت الى ان هذا الأمر يصبّ في إطار السعي لاستكمال المسار الذي عبّرتْ عنه معركة الحزب ضدّ «النصرة» لجهة تكريس نفسه «حامياً للبنان» وتفادي كل ما من شأنه التأثير في الصورة التي يحرص على تقديمها لجهة مبررات «الحاجة» لسلاحه.
وفي رأي هذه الدوائر ان أطرافاً لبنانية وازنة استشعرتْ بمخاطر المزيد من «ترْك الساحة» السياسية لـ «حزب الله» من بوابة «الواقعية» التي اقتضتْ تحييد الملفات الخلافية حرْصاً على استقرار البلد، مشيرة الى إمعان «حزب الله» في الإضاءة على «هزيمة» هذه الأطراف وعلى «انتصارنا في محور المقاومة وحلفائها على الصعيد الدولي والإقليمي واللبناني» كما اعلن النائب نواف الموسوي الذي شنّ هجوماً عنيفاً على السعودية وصعّد على جبهة الدفع لتطبيع العلاقة مع النظام السوري مقترحاً، رداً على رفْض خصومه الداخليين فتْح العلاقات مع هذا النظام وقف لبنان العلاقات مع الرياض ومع واشنطن «ما دمنا مختلفين معكم على شكل العلاقات معهما».
ولاحظت الدوائر عيْنها أن هذا «الهجوم» من «حزب الله» على الساحة اللبنانية استدعى ما يشبه «الصحوة» من خصومه الذين انبروا الى ما يشبه إعلان «لم ننتهِ» وأن موجبات التسوية السياسية لا تعني «الاستسلام». ومن هنا كان المؤتمر الصحافي «الناري» للنائب عقاب صقر (من كتلة الرئيس سعد الحريري)، والكلام التصاعدي لرئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي اعلن «حدودنا الفعلية تنتهي هنا عند السلسلة الشرقية وليس حدود الأمة الاسلامية»، مؤكداً «الأمة بالنسبة لنا هي لبنان، حدودنا هي الحدود المعترف بها دولياً، والمعادلة هي (شعب، دولة، جيش)، وكل ما عدا ذلك لا يعنينا بشيء».
وفي حين شخصتْ الأنظار الى كلمة الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله عصر أمس، كان الترقب يسود في الوقت نفسه لبدء مسار انتقال مسلحي «سرايا أهل الشام» ونحو 800 عائلة من جرود عرسال الى القلمون الشرقي عصر أمس بعدما أعلن المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم أنّ اتفاقية خروجهم أُنجزت بشكلها النهائي، «والمسلحون سيخرجون في الباصات (وليس بآلياتهم) بسلاحهم الفردي فقط إلى الرحيبة بمواكبة الأمن العام».
(الراي)