في تموز الماضي، انشغلت وسائل الإعلام بتصريحات صادرة عن «مفوضيّة اللاجئين» تؤكد عودة «أكثر من 31 ألف لاجئ سوري إلى ديارهم»، ما عكس أملاً بتحسّن يطال ملف النازحين واللاجئين. قبل أيام، صدر عن «المفوضية» تقرير يكشف أن تصريحات تموز كانت خاطئة بنسبة 41%، وأن عدد العائدين فعليّاً هو أقل بتسعة آلاف مما ذُكر
تصريحات المتحدث باسم «المفوضيّة السامية لشؤون اللاجئين» أندريه ماهيسيتش التي استقطبت الاهتمام في تموز الماضي حول أعداد اللاجئين الذين عادوا إلى بلادهم لم تكن دقيقة. تبيّن أخيراً أن عدد العائدين إلى مناطقهم من دول الجوار لم يكن «أكثر من 31 ألفاً في خلال عام 2017» كما جاء في تصريحات المتحدث حينها.
يوضح أحدث بيان صادر عن «المفوضيّة» أنّ عدد العائدين بين كانون الثاني وأيار 2017 هو في واقع الأمر «حوالى 22200 لاجئ، عاد معظمهم إلى شمال سوريا». تبدو الفجوة بين الرقمين شديدة الاتساع، إذ انخفضت تقديرات أعداد العائدين بما يقارب 9000 شخص في لغة الأرقام، ويتحوّل هذا الفارق إلى خلل يبدو كارثيّاً لدى ملاحظة أن نسبة الخلل بين الرقمين تقارب 41% تقريباً! ورغم أن مسارعة المفوضيّة إلى إصدار تحديث يصوّب الخلل تبدو إجراءً إيجابيّاً، غير أنها تطرح في الوقت نفسه تساؤلات كثيرة عن منشأ الخلل ومسبباته ومدى احتمال تكرار الأمر في بيانات المفوضيّة بالعموم.
يعزو سكوت كريغ، الناطق الرسمي باسم المفوضية، الخطأ الذي وقعت فيه تصريحات ماهيسيتش إلى إفادات خاطئة. يقول كريغ لـ«الأخبار» إنّ «تصريحات ماهيسيتش اعتمدت على تقرير سابق للمفوضية حول العودة»، قبل أن يتضح أن التقرير المذكور «أفاد بأعداد أكبر للعائدين من تركيا، وذلك بناءً على تقارير وبيانات أخرى من العديد من المنظمات، بما فيها منظمات غير حكومية». وكانت «الأخبار» قد أشارت في تقرير نُشر قبل شهر إلى وجود هوامش خطأ واسعة قد تسبّبها طريقة جمع البيانات ومصادرها (راجع «الأخبار» العدد 3218) . يوضح كريغ أن «الأعداد المقدّرة في هذا الإصدار تعكس حركات العودة التلقائية من جميع الدول المذكورة في التقرير (مصر، العراق، الأردن، لبنان وتركيا) التي رصدتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من خلال مراقبة الحدود و/أو التسجيل المستمر».
انخفضت تقديرات العائدين بما يقارب 9000 أي 41% تقريباً!
سُجل أكبر عدد للعائدين من تركيّا (9000)، ثم لبنان (8000)، فالعراق (3400)، والأردن (1700)، وأخيراً مصر (100). ويوضح التقرير الذي صدر قبل ثلاثة أيام موسوماً بعنوان «حلول دائمة للاجئين السوريين» أنّ «التطورات السياسية ومحادثات أستانا وجنيف وعمليات أخرى، بما في ذلك الاتفاقات المحلية، قد تخلق فرص السلام والاستقرار في مناطق معينة من سوريا، ومن المتوقع تزايد عودة النازحين، وهناك خطط لتأمين عودة طوعية وآمنة ودائمة ويمكن ملاحظة ارتفاع في عدد التنظيم الذاتي لعودة اللاجئين».
«بياناتنا غير مسيّسة»
منذ بواكير الحرب السورية، ومع بدء اللاجئين في التوافد إلى مخيمات في دول الجوار، تعالى كثير من الأصوات التي اتهمت «المفوضيّة» بـ«المساهمة في تسييس ملف اللاجئين». وذهبت بعض الآراء إلى الحديث عن تضخيم «المفوضية» لأعداد اللاجئين (وخاصة في العامين الأوّلين) كجزء من الضغوط على الجانب الحكومي السوري. في الفترة الأخيرة، راجت أحاديث مماثلة عن «تسييس الملف» عبر الإيحاء بأن قضية اللاجئين تشهد بوادر انفراج مع عودة أعداد منهم. لكنّ كريغ يؤكد لـ«الأخبار» أنّ «جمع البيانات عملية صارمة ويتم نشر جميع الأرقام بشفافية». ويشدد على أنّ «المفوضية لا تشجع ولا تسهّل حالياً أي عودة إلى سوريا، لأن شروط العودة الطوعية بأمان وكرامة غير متوافرة بعد».
«حالة أمنية غير مستقرّة»
غير بعيد عن تصريحات كريغ، تأتي مقدمة تقرير «المفوضية» الأخير، حيث «الحالة الأمنية في سوريا لا تزال غير مستقرة، مع وجود أنماط معقدة من الصراع واستمرار النزوح في العديد من المناطق». يشير التقرير إلى «تسجيل 1.1 مليون حالة نزوح في النصف الأول من عام 2017، بمعدل 7.300 نازح في اليوم، ولا سيما في سياق معركة الرقة». تقدّر المفوضية أعداد اللاجئين في دول الجوار راهناً بقرابة 5 ملايين، إضافة إلى 6.3 ملايين نازح داخلي (حتى نهاية آذار الماضي). وعلاوة على ذلك «لا يزال 13.5 مليون شخص بحاجة إلى المساعدة الإنسانية في سوريا وفقاً لإحصاءات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية». تُقدر «المفوضيّة» عدد النازحين داخليّاً الذين عادوا إلى مناطقهم بين كانون الثاني وأيار بحوالى 450 ألفاً، عاد معظمهم إلى حلب (303.500 عائد). يشير التقرير إلى أن «المفوضية لا تستطيع حالياً داخل سوريا مراقبة وصول اللاجئين الوافدين بشكل منهجي، بما في ذلك استدامة عودتهم، بسبب القيود المفروضة على الوصول». ويؤكد أنّ «المفوضية لا تشجع أو تسهل عودة اللاجئين لأن الظروف لعودة طوعية آمنة ومستدامة غير متوافرة، المساكن والبنى التحتية مدمرة، الخدمات الاجتماعية والأساسية غير متوافرة، وفرص كسب الرزق في سوريا كارثية»، علاوة على أن «الوضع الأمني والإنساني لا يزال متقلباً، وقد يواجه العائدون الاحتجاز أو الاعتقال أو التجنيد في الجماعات المسلحة، وغير ذلك من أشكال العنف. يجب أن تكون سبل العيش قائمة قبل أن تتم عمليات العودة على نطاق واسع».
عودة بتنظيم ذاتي
رغم كل الظروف المذكورة، يشير التقرير إلى أن «حركات العودة على نطاق صغير، والتي ينظمها اللاجئون ذاتياً، تحدث». وتتوقع «المفوضية» أن «العودة الذاتية المنظمة ستستمر، وتزداد في الوقت المناسب». كما تنوّه إلى «أهمية ذلك، لأن اللاجئين الذين يقررون العودة يقومون بذلك طواعية وبإرادتهم الحرة». ينتمي العائدون إلى محافظات عدة؛ منها حلب، الحسكة، حمص، دمشق، ودرعا. و«يؤثر حجم الأسرة على قرارات العودة.
غالبية العائدين من الأسر الصغيرة والأفراد الوحيدين. أما العائلات التي تضم أكثر من خمسة أشخاص فهي الأقل عودةً». تشير أرقام العودة إلى أن «90 بالمئة من جميع العائدين سافروا مع أفراد أسرهم. إضافة إلى أن السبب الرئيسي للعودة هو لمّ الشمل». كذلك؛ يوضح التقرير أن نسبة العائدين الأكبر سُجلت في صفوف «اللاجئين بين عامي 2013 و2015، أما اللاجئون عام 2016 فلم يعد طوعيّاً سوى 1 في المئة منهم». تشكل الإناث أكثر من نصف الذين غادروا الأردن ولبنان، وأقل من نصف الذين غادروا مصر والعراق. وهو أمر يعزوه المتحدث الرسمي سكوت كريغ إلى أن «النساء والأطفال يشكلون في الأصل حوالى 75% من اللاجئين في المنطقة».
«إعادة التوطين»
يولي التقرير أهميةً لـ«إعادة توطين اللاجئين في بلد ثالث» (إجراء يتعلّق باللاجئين الموجودين في دول الجوار، بحث يتم نقلهم إلى دول أخرى خارج المنطقة). وما بين كانون الثاني 2013 وحزيران 2017 «حددت المفوضية 178500 لاجئ سوري في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا لأجل إعادة التوطين، والرقم سيتزايد» وقد غادر منهم حتى الآن «85250 إلى 33 بلداً». كذلك «وفرت الدول 211000 مكان للقبول حتى الآن تحت مسمى إعادة التوطين ومسارات أخرى، (ما) يمكن أن يقلل من إجبار اللاجئين على القيام بتحركات خطيرة غير منتظمة». وتشير «المفوضية» إلى «تطورات إيجابية في دعم وصول اللاجئين السوريين إلى سبل العيش» حيث حصل 35 ألف لاجئ على تصاريح عمل رسميّة في الأردن، كما تم إصدار 10 آلاف تصريح عمل إضافي للاجئين في تركيا».
اللاجئون يزورون بلدهم «مؤقتاً»؟
تشير «المفوضيّة» إلى أهمية توفير فرصة أمام اللاجئين الراغبين في زيارة بلدهم، والعودة إلى بلد اللجوء. وترى في تيسير إجراء مماثل «أداة حماية مهمة لتيسير اتخاذ القرارات المستنيرة». ووفقاً للدراسات الاستقصائية للمفوضية، فإن «90 في المئة من اللاجئين قالوا إنهم لم يعودوا إلى سوريا بعد اللجوء». تؤكد «المفوضية» وجوب «سماح بلدان اللجوء بالزيارات المؤقتة لسوريا مع السماح بعودة اللاجئ إلى بلد لجوئه». ويؤكد كريغ لـ«الأخبار» أنّه «استناداً إلى تجربة المفوضية من سياقات أخرى لعودة اللاجئين، نعتقد أن الزيارات المؤقتة (الذهاب للتفقّد) أدوات مهمة تسمح للاجئين باتخاذ قرارات مستنيرة مبنية على المعلومات بشأن العودة». ورغم تنبيه التقرير إلى المحاذير الأمنية التي تحول دون عودة شريحة من اللاجئين، لكنه لا يشير إلى وجود أي محادثات مع الحكومة السورية حول ضمانات تتيح للاجئ زيارة بلده والعودة بحرية تامة. وبدوره، لا يقدم الناطق الرسمي سكوت كريغ أي إجابة تتعلّق بهذا التفصيل.
(الاخبار)