كتبت صحيفة “الأخبار”: انتشر الخبر كالنار في الهشيم. داء “الليشمانيا” يضرب منطقة وادي خالد في عكار. إصابتان. ثلاث. أربع. عشرات الإصابات… والرقم الى ارتفاع. حصل ذلك خلال الأيام الماضية، حيث سيطرت حالة من الهلع والخوف من عودة المرض الذي ضرب ما لا يقلّ عن ألف إنسان قبل أربع سنوات، في ذروة النزوح السوري إلى لبنان. لكن، سرعان ما عاد كل شيء إلى طبيعته، مع خروج “بيان” وزارة الصحة العامة النافي لوجود أي إصابة بهذا الداء، والذي أكد أن “الفحوص التي أجريت أظهرت أن الإصابات هي إصابات جرب ودمّل سببها قلّة النظافة”.
هذا البيان “الإنقاذي” أعاد الحياة إلى طبيعتها في وادي وخالد والقرى المجاورة التي مسّها خوف انتقال العدوى إليها. تلك التي لم تكن تبعد سوى كيلومترات قليلة. انزاح كل خوف إذاً، مع بيان الصحّة، لكن فكرة الإصابة بداء الليشمانيا لا شكّ أنها مقلقة، والسبب؟ هو خطورة هذا الداء في بعض الحالات. فما هو هذا المرض؟ وكيف يتم تشخيصه؟ وعلاجه؟ والوقاية منه؟ أسئلة كثيرة تتبادر إلى الذهن ويحتاج الكثيرون إلى معرفة الإجابات عنها. هنا، في هذا المقال، سنحاول جاهدين إعطاء الأجوبة الشافية.
“ذبابة الرمل”: أصل الحكاية
قبل بداية الألفية الثالثة، لم تكن “الليشمانيا” شيئاً. لكن، بعد دخول عتبة تلك الألفية، بدأ هذا الداء يشهد انتشاراً ملحوظاً، أدى إلى إطلاق تسمية “داء العصر” عليه. هذا الانتشار بلغ اليوم ذروته، حيث تقدّر منظمة الصحة العالمية عدد الإصابات السنوية به بحوالى 1,5 مليون، يأخذ منهم الموت ما بين 20 إلى 30 ألفاً سنوياً. وهذا إن عنى شيئاً، فهو يعني أن الليشمانيا إن لم يتم علاجها ستؤدي حتماً إلى الموت. فما هو هذا الداء؟
يعرّف الطب هذا الداء بأنه “مرض تسببه طفيليات من جنس الليشمانيا، التي هي كائنات أولية تنتقل عن طريق حشرات الفواصد التي تعرف في بعض البلدان باسم ذبابة الرمل”. هذه الذبابة، وتحديداً الأنثى المصابة، تنقل الطفيليات (تلك التي يزيد عددها عن 20 طفيلية) إلى دم البشر عن طريق اللدغ، وهناك تتكاثر في بعض أنواع خلايا الدم البيضاء وتبدأ الأعراض بالظهور. لا عوارض موحدة، إذ أنه ثمة أشكال من المرض، تختلف العوارض باختلافها، وهي “الليشمانيا الجلدية والجلدية المخاطية والحشوية التي تعدّ أكثرها خطورة”.
أنواع الليشمانيا
يتفرع داء الليشمانيا إلى ثلاثة أنواع:
الليشمانيا الجلدية، وهي أكثر الأنواع انتشاراً، وتؤدي إلى تكوّن ندبة جلدية دائمة، وفي بعض الحالات إعاقة دائمة للشخص. يصيب هذا النوع سنوياً ما بين 0.7 إلى 1,5 مليون شخص، ويتطلب فترة طويلة كي يظهر، إذ قد تمضي أسابيع وحتى أشهر بين الإصابة بالطفيلي وظهور الأعراض التي تشمل تقرحات أطرافها بارزة بشكل يشبه فوهة البركان، وغالباً ما لا تكون مؤلمة.
الليشمانيا الجلدية المخاطية:
يتميز هذا النوع بتدميره للأغشية المخاطية في الأنف والفم والحلق.
الليشمانيا الحشوية:
تعرف باسم “كالا أزار” أيضاً، وتعد أخطر أنواع هذا الداء، إذ أنها تؤدي إلى الموت إذا لم تعالج. وتشمل أعراضها الحمى وفقر الدم (الأنيميا) وتضخم الكبد والطحال وفقدان الوزن. ويقدر عدد الإصابات السنوية بها ما بين 200 ألف و400 ألف. وهذا النوع، على خطورته، إلا أنه يشبه النوع الأول من حيث “الفترة” لتطوره، إذ تشير منظمة الصحة العالمية إلى أنه يحتاج إلى شهور كي يتطور، وفي بعض الأحيان سنوات.
تشخيص الداء
عادة، ما يبدأ التشخيص “سريرياً”، قبل أن تأتي خطوة التشخيص بالمجهر للتأكد من النوع الذي من الممكن أن يكون الشخص مصاباً به. وغالباً، ما ينشأ الاشتباه السريري بالإصابة، عادة، عند ظهور آفات نموذجية مميزة في الجلد بعد المكوث في منطقة مصابة. بعد ذلك، تأتي مرحلة التشخيص الدقيق من خلال إجراء الفحص المجهري المباشر لعيّنة يتم أخذها من الآفة المصابة في الجلد. ولمزيد من التأكد، يمكن إجراء زرع “استنبات”، كما يمكن اللجوء في أحيان أخرى إلى فحص “تفاعل البوليميراز المتسلسل” (Polymerase chain reaction – PCR) أو إلى فحص الدم للمناعية الخلوية.
العلاج والوقاية
أولى الخطوات على طريق نجاح العلاج هو التشخيص الحالة في بداياتها. والسبب؟ أن الليشمانيا الحشوية قد تكون قاتلة ويجب التعامل معها بسرعة. أما بالنسبة إلى الجلدية، فحتى إن لم تكن مميتة، إلا أنها قد تترك ندوباً تبقى مدى الحياة. وهذا ما يتطلب العلاج، تلك التي تختلف باختلاف الحالة.
لكن، مع ذلك، لا يوجد لقاح لليشمانيا إلى الآن، ولذلك تكمن الحاجة هنا إلى الوقاية من لدغات ذبابة الرمل. فهذا المفتاح الأساسي. أما كيف يكون ذلك؟ فمن خلال مكافحتها بتحسين النظافة العامة وطمر المستنقعات أو حماية الشخص بارتداء لباس طويل يغطي الجسم كاملاً، واستعمال المراهم الطاردة للحشرات على الوجه والرأس. ووضع “ناموسية” على السرير لمنع دخول الذبابة أثناء النوم.
عوامل الخطر
لا يأتي داء الليشمانيا من العدم، فثمة عوامل كثيرة تسهم في هذا “القدوم”، ومنها:
الفقر:
وهو الذي يزيد مخاطر الإصابة بالمرض، فافتقار المناطق الفقيرة إلى نظام التخلّص من النفايات ووجود المجاري المفتوحة يؤدي إلى تأمين بيئة مناسبة لتكاثر ذبابة الرمل التي تنقل المرض.
الاكتظاظ:
تجتذب المناطق المكتظة ذبابة الرمل لأنها توفر لها بيئة غنية بالضحايا للتغذية على دمائهم، وهذا أيضاً من خصائص المناطق الفقيرة التي تتميز باكتظاظها.
النوم خارج المنزل:
قد يحدث ذلك بسبب العادات كما في الأرياف، أو بسبب الفقر وعدم وجود مأوى أو عدم كفايته، أو في حالة الكوارث والحروب، مما يدفع الضحايا للنوم في الخارج ويزيد احتمالية تعرضهم للدغ ذبابة الرمل.
سوء التغذية:
يزيد هذا الأمر من احتمال تطور العدوى إلى النوع الحشوي الذي قد يكون مميتاً. وهذا ينطبق بشكل خاص على الذين يعانون نقصاً في البروتينات وفيتامين “أ” والحديد والزنك.
الهجرة:
تؤدي إلى انتقال الناس لمناطق توجد فيها الذبابة مما يزيد الإصابات، وهذا يحدث في الكوارث والحروب.
ينتقل المرض عن طريق ذبابة الرمل التي تكون قد امتصّت في السابق دم أحد المرضى وانتقل الطفيلي لها، وعندما تلدغ فهي تنقله أيضاً. ويزيد من صعوبة التعامل معها أنها بشكل عام لا تُحدث صوتاً وبالتالي من الصعب على الشخص الانتباه لها
يبلغ حجم ذبابة الرمل ثلث حجم البعوضة العادية أو حتى أصغر، وهذا يعني أنه من الصعب رؤيتها، ولديها قدرة على الدخول إلى المنزل والغرف حتى من الشقوق الصغيرة للغاية
(راجانا حمية – الأخبار)