يبدو انّ الوضع الحكومي مقبل على مزيد من الهشاشة في ظل الجو السياسي الذي انقلب على نفسه في مقاربة العلاقة بين لبنان وسوريا، وتلك نتيجة طبيعية للمناخ الداخلي العام الذي ظهّر على سطح المشهد السياسي اصطفافين متباينين بشكل حاد، يذهب أحدهما في اتجاه تطبيع العلاقة مع سوريا، ويتصدره فريق الثامن من آذار، فيما يذهب الثاني في الاتجاه المعاكس. وتبدو جلية هنا الاصوات الاعتراضية التي ارتفعت من قبل فريق 14 آذار رفضاً لهذا التطبيع، وذهبت الى حد وضع مصير الحكومة على المحك فيما لو سلك هذا التطبيع المسار الذي يُرسم له من قبل الفريق الآخر. يأتي ذلك، في وقت تبقى جرود رأس بعلبك والقاع محط الانظار الداخلية، في ظل الاستعدادات التي يقوم بها الجيش لخوض معركة الفصل ضد المجموعات الارهابية المتمركزة في تلك الجرود، والتي اتبعها أمس، بقصف مدفعي عنيف على فترات متقطعة، لمواقع تنظيم «داعش»، تواكبت في فترة بعد الظهر بغارات جوية شنّها الطيران المروحي التابع للجيش على مواقع الارهابيين، محققة إصابات مباشرة. فيما برز في أجواء معركة الجرود المرتقبة، دعم اميركي متجدد للجيش حيث علمت «الجمهورية» انّ الولايات المتحدة أرسلت الى الجيش خمسين مدرعة عسكرية من نوع «برادلي»، ستتسلّمها المؤسسة العسكرية اليوم.الواضح انّ الزيارة المرتقبة لوزير حركة «أمل» غازي زعيتر ووزير «حزب الله» حسين الحاج حسن الى دمشق، فرزت الحكومة بين جبهتين متواجهتين، تصرّ الاولى على الزيارة مهما كلف الامر، فيما اعتبرتها الثانية خطوة استفزازية تنطوي على تعمّد خلق ارباك سياسي في الداخل عبر تعمّد رمي ملف خلافي شديد الحساسية في وجه شريحة واسعة من اللبنانيين.
واذا كان المتحمسون لإعادة تطبيع العلاقة مع سوريا يقولون انّ ثمة اسباباً توجب ذلك، وخصوصاً على الصعيد الامني والحرب على المجموعات الارهابية في الجرود، وكذلك على الصعيد الاقتصادي لِما تشكّله سوريا من باب لتبادل المنتجات، او لعبور المنتجات اللبنانية في اتجاه الخارج، بالاضافة الى الجغرافيا والتاريخ المشترك، فإنّ صفّاً كبيراً جداً من المعترضين، مُرتاب من هذه الخطوة، ويطرح تساؤلات سرّ استحضار او بالاحرى افتعال هذه الزيارة في هذا التوقيت بالذات؟ وما هو مغزاها؟ وماذا يراد منها؟ وإلامَ تؤسس؟ واي فائدة تُرجى منها؟
ويبدو انّ هذه المسألة قد دخلت في دائرة التفاعل، بدليل انّ الاصطفافين مصرّان كلّ على موقفه، ويتبدّى ذلك في تأكيد حلفاء سوريا بأنهم مصممون على الذهاب الى تطبيع العلاقة مع سوريا، وعلى ما يقول مرجع سياسي لـ«الجمهورية»: سوريا ليست دولة عدوة، كل الدول عم تحكي مع بعضها، وهذا لمصلحة لبنان».
فيما يبدو المعترضون مصممين على قطع الطريق على اي تطبيع مهما كان شكله ومستواه، «لأننا لا نريد ان نعطي النظام السوري صك براءة على كل ما اقترفته يده بحق لبنان، وكذلك بحق الشعب السوري».
وقد اثار هذا البند نقاشاً مستفضياً في جلسة مجلس الوزراء التي عقدت في السراي الحكومي برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري، ولَخّص مصدر وزاري أجواءها بقوله لـ«الجمهورية»: الحكومة تمر في وضع هو الأسوأ منذ تشكيلها، واذا كانت طيلة هذه المدة اصطدمت بعجزها عن مواكبة الملفات المتراكمة، ومعالجة ما يتصل منها بمصلحة الدولة والناس في آن معاً، فها هي تصل اليوم الى وضع لا تُحسد عليه، بعدما داسَت على لغم العلاقة مع سوريا. فأصيبت في صميم التماسك الاصطناعي التي تعانيه أصلاً».
نقاش وزاري
وعلمت «الجمهورية» انّ وزير الصناعة حسين الحاج حسن وقبل بداية الجلسة، اقترب من الرئيس سعد الحريري وابلغه بأننا لا نيّة لنا في ان نحرجك داخل مجلس الوزراء، ولذلك لم نطلب ان يدرج موضوع الزيارة الى سوريا في جدول اعمال الجلسة.
ولكن في بداية الجلسة طلب الوزير بيار ابو عاصي الكلام، وقال: «أريد ان أسال بأيّ صفة تتم زيارة بعض الوزراء الى سوريا؟ هل ان زيارات على المستوى الوزاري تتم خارج اطار مجلس الوزارء؟ وفي اي حال نحن نرفض كقوات لبنانية اي تطبيع مع سوريا واي زيارة لأي وزير اليها».
وهنا ردّ الحريري، وقال: ما فيك تفوّت الحكومة بأي زيارة، ثم ان الوزير الحاج حسن لم يطلب طرح الأمر على المجلس. واضاف: هناك خلاف سياسي حول العلاقة مع سوريا، وأنا لست مع العلاقات مع النظام السوري، وأيّ وزير يذهب الى سوريا، يذهب على المستوى الشخصي، ولا قرار في مجلس الوزراء في ذلك. انا ارى الّا نُدخل مجلس الوزراء في هذا الموضوع، وبالتالي لا تكليف من الحكومة.
وهنا قال وزير الصناعة حسين الحاج حسن: تلقّينا دعوة من المجلس الاقتصادي في سوريا، وهناك علاقات اقتصادية دائمة مع سوريا، وكان هناك مثال على ذلك كأزمة الموز. الزيارة هي للمشاركة في معرض دولي، والتشاور مع وزير الاقتصاد السوري في مسائل اقتصادية، وفي إجازات استيراد إذ انّ هناك مشاكل اقتصادية، يجب ان نعمل، على رغم الاختلافات السياسية، على حلّها.
وقال الوزير محمد فنيش: العلاقة مع سوريا منظمة ضمن قوانين، وتلافياً للإشكال او الاحراج لم نطرح هذا الموضوع على طاولة مجلس الوزراء، ولكن هناك مصلحة لبنانية، ويمكن ان نعمل لتدوير الزوايا، نحن ذاهبون كوزراء وليس بصفة شخصية، هناك تبادل ديبلوماسي واقتصادي مع سوريا.
واعتبر وزير الداخلية نهاد المشنوق انّ هذه الزيارة سياسية وستسبّب انقساماً في البلد، مهما حاولنا تدوير الزوايا. في الحكومة السابقة كانت هناك زيارات لم تطرح على مجلس الوزراء ولم يكن هناك زيارات على مستوى وزراء، اذا لم تكن المسألة زيارة شخصية فلتطرح على مجلس الوزراء، اذ لا يمكن تحمّل هذه المسألة سياسياً، ونقول ان لا علاقة لنا، لا وزير الاقتصاد ولا الصناعة ولا الزراعة يمكن ان يذهبوا بصفة شخصية، فليناقش الموضوع بهدوء.
فردّ الحريري قائلاً: هناك خلافات سياسية وأنا ذهبت الى الولايات المتحدة على رغم قساوة موقفها. المصلحة العليا تقتضي ان نبقى متفاهمين وأن نتقبّل خلافاتنا. واقترح ان يُشطب هذا الموضوع من المحضر.
وقال الوزير علي حسن خليل: هناك علاقات سياسية وديبلوماسية تربطنا مع سوريا، وتوجد اتفاقات معمول بها ومصالح مشتركة، وبالتالي كلّ هذه الأمور تفرض علينا أن يكون هناك تنسيق بيننا وبينهم.
جبران باسيل: خارج الخلاف السياسي لا يجب ان نكون مختلفين على العلاقة القائمة بسوريا، وهذا الامر يجب ان يكون خارج الخلاف السياسي، هناك علاقات ديبلوماسية وتجارية وخدماتية، وانا أعددتُ اكثر من مئة كتاب الى الخارجية السورية عندما تكون لدينا مشاكل تتعلق بأي منطقة حدودية. وقد أبلغنا المجلس بكتاب وزير الاقتصاد الى الامانة العامة فكيف يمكن القول انّ هذا الوزير يقوم بالزيارة بصفة شخصية؟ فالاصول ان يأخذ موافقة مجلس الوزراء وهذا امر طبيعي.
وقال الوزير طلال ارسلان: الجهد الذي نقوم به والحمل الذي نتحمّله نتمنى ان يؤخذ بإيجابية. اذا طرح هذا الموضوع على مجلس الوزراء سيحدث مشكلة، نحن منفتحون على تنظيم الخلافات وليس الذهاب اليها. وأنا قلتُ بعد زيارتكم الى الولايات المتحدة، إنني مقدّر للجهد الذي يبذله رئيس الحكومة، هناك تبادل ديبلوماسي صريح وعلاقات تتعدى الاعتراف الشكلي، اتمنى ان يتطلب هذا الموضوع مزيداً من البحث.
وعلّقت مصادر وزارية على مداخلات بعض الوزراء وقالت: كيف يمكن ان يعارضوا الذهاب الى سوريا، وبالأمس القريب عندما تمّ تعيين سفير للبنان في سوريا، كانوا مشاركين في الجلسة ولم يعترضوا؟ ووصفت المصادر هذا التباين بانفصام في الشخصية.
(الجمهورية)