منذ فترة، تقدمت كل من وزارة الدفاع والداخلية بتقارير تطلب وفقها «زيادة اعتمادات الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام في مشروع الموازنة لعام 2017». جاءت هذه التقارير بناءً على اجتماعات عقدتها لجنة المال والموازنة النيابية، بحضور وزيرَي الداخلية والدفاع، تقرر على أثرها تشكيل لجنة فرعية لدرس حاجات الأجهزة الأمنية والعسكرية، ولا سيما أن الاعتمادات المخصصة لتمويل هذه الحاجات خفضتها وزارة المال عند إعداد المشروع، ثم خضعت لتخفيض إضافي عند إقرار هذا المشروع في مجلس الوزراء.
قوى الأمن الداخلي
بحسب الجداول الواردة في التقارير المذكورة، تشكو قيادة قوى الأمن الداخلي من تخفيض الاعتمادات المطلوبة للألبسة سنوياً بقيمة 4 مليارات ليرة، وكذلك تخفيض اعتمادات نفقات التغذية للعناصر المكلفين بمهمات حفظ الأمن والنظام خلال التظاهرات والأعياد بنحو 340 مليون ليرة عن المبلغ المطلوب.
كما تمّ اقتطاع 18 مليار ليرة من نفقات خاصة بالمحروقات. تحذر هذه التقارير من أن التخفيضات ستؤدي حكماً إلى تخفيض عدد دوريات حفظ الأمن ومطاردة المطلوبين وسوق المساجين إلى المحاكم في المواعيد المحددة أو تلبية نداءات الاستغاثة للمواطنين!
التخفيضات بحسب التقارير نفسها طاولت أيضاً نفقات تغذية السجناء. فبعدما كان المبلغ المطلوب 7 مليارات ليرة، وافقت الحكومة على 5 مليارات ونصف مليار ليرة فقط، ما يُمكن أن «يؤدي إلى تخفيض الكميات المخصّصة للسجناء، وتوقف المتعهدين عن تقديم المواد الغذائية والوجبات الجاهزة، كذلك قيام المساجين بأعمال شغب وانتفاضات كبيرة».
وطاولت التخفيضات النفقات الاستشفائية، إذ وافقت الحكومة على مبلغ 90 مليار ليرة، فيما المبلغ المطلوب هو 95 ملياراً. وكذلك خُفضت النفقات المدرسية من نحو 95 مليار ليرة مطلوبة الى 63 مليار ليرة. ولم تسلم التقديمات الاجتماعية الخاصة بعوائل شهداء قوى الأمن الداخلي، إذ أقرت الحكومة لها مبلغ مليار و400 مليون ليرة، فيما النفقات المقدرة لعام 2017 تصل إلى 3 مليارات ليرة. فضلاً عن تخفيضات طاولت اعتمادات التجهيزات الفنية والمعلوماتية والأثاث والنقل والمختبرات والتقديمات المدرسية.
الأمن العام
بحسب التقرير المقدّم من المديرية العامة للأمن العام، وافق مجلس الوزراء على مبلغ 480 مليون ليرة لتغطية نفقات تغذية الموقوفين بعهدته «رغم الارتفاع الملحوظ في أعدادهم»، فيما النفقات المقدرة هي بقيمة 600 مليون. وجرى تخفيض اعتمادات الأدوية الى مبلغ 5 مليارات ليرة، فيما النفقات المقدرة 7 مليارات ليرة. أما اعتمادات تغطية كلفة اشتراكات المياه والكهرباء والاتصالات لزوم المباني والمقارّ، فقد خصص لها مبلغ مليار و200 مليون ليرة بدلاً من مليارين و800 مليون (المبلغ المطلوب). كذلك نفقات النقل لتأمين آليات عسكرية، إذ وافق مجلس الوزراء على مبلغ 270 مليوناً من أصل 500 مليون كنفقات مقدّرة. كما طاول التقشف كل ما هو مرتبط بلوازم مكتبية وقرطاسية للمكاتب ومحروقات وتجهيزات فنية مختلفة وتقديمات لنفقات اجتماعية.
الجيش
أظهرت التقارير أن الاعتمادات التي حذفت من اعتمادات الجيش قد يكون لها تأثير سلبي. فمن أصل 8 مليارات مطلوبة لملابس العسكر، تمّ تخصيص 6 مليارات ونصف مليار ليرة. وجرى حذف مبلغ 16 مليار ليرة من نفقات التغذية، و12 مليون ليرة من نفقات القرطاسية للدورات التدريبية. و560 مليون ليرة من النفقات المخصصة للمحروقات وزيوت المولدات.
تشكو قيادة الجيش من تخفيض اعتماداتها المطلوبة بنحو 64 ملياراً و600 مليون ليرة
كذلك تم حذف مبلغ 5 مليارات و200 مليون ليرة من النفقات المقدرة للمياه والكهرباء والاتصالات. وإذا ما ضمت هذه التخفيضات إلى جانب حذوفات أخرى لها علاقة بتجهيزات فنية ومعلوماتية واستهلاكية، يصل المبلغ الإجمالي المحذوف إلى نحو 64 ملياراً و600 مليون ليرة. وقد أرفقت وزارة الدفاع تقريرها الصادر عن مديرية القضايا المالية والإدارة بلائحة الاعتمادات المطلوب إضافتها إلى مشروع الموازنة، وهي كالآتي: 4 مليارات ليرة لاعتمادات تعيين ملحقين عسكريين في الخارج. 4 مليارات لاعتمادات بدل أخطار وتبرع بالدم وتعويضات. 4 مليارات ليرة لاعتمادات دورات تدريبية في الخارج. 7 مليارات ليرة لتقديمات المرض والأمومة. 7 مليارات ليرة للتقديمات المدرسية، و2 مليار ليرة للنفقات الاجتماعية.
اعتمادات سخية لوزارة الاتصالات
في ظل انهماك أعضاء لجنة المال والموازنة النيابية بمطالب قيادة الجيش والأجهزة الأمنية، اكتشفوا أن موازنة وزارة الاتصالات تتضمن اعتمادات تصل قيمتها الى 750 مليار ليرة، لم يحدد الوزير جمال الجراح وجهة إنفاقها الحقيقية، علماً بأنها لا تشمل ما يجري إنفاقه عبر شركتَي الخلوي، وهو يفوق مئات ملايين الدولارات.
تم إدراج هذه الاعتمادات تحت بند «صيانة أخرى وإنشاءات أخرى». يشير أحد النواب الأعضاء في اللجنة إلى أن وزير الاتصالات طلب مبلغ 450 مليار ليرة مقابل برنامج يعمل على تنفيذه! وقد امتنع الوزير الجراح عن تقديم إيضاحات حول إنفاق هذا المبلغ، وعمد إلى «اتهام نواب التيار الوطني الحرّ وحزب الله وحركة أمل بإسقاط قانون البرنامج استناداً إلى قرار سياسي»، مروجاً لفكرة وجود مؤامرة ضدّه حاكتها كتل نيابية ممثلة في اللجنة، محاولاً سحب النقاش في اللجنة وتحويله إلى نقاش سياسي، بعدما أكد معظم أعضائها أنه في ظل غياب أي معطيات ودراسات عن جدوى إنفاق هذا المبلغ، فليس ممكناً الموافقة عليه في اللجنة بالاستناد إلى «كلمة» وزير الاتصالات عن ضرورته.
إلى جانب قانون البرنامج، هناك مبلغ بقيمة 348 مليار ليرة يدخل ضمن ما يسمّى «إنشاءات أخرى»، منها 141 مليار ليرة لتغطية رواتب موظفي أوجيرو، والباقي يصرف على مشاريع استثمارية غير محدّدة لم يقدم الجراح أي تفصيل عنها. وفيما سعى الجراح إلى تهريب إنفاق بلا دراسات ولا لوائح مشاريع مفصلة، عبر تمسّكه بفكرة تطوير شبكة الاتصالات من خلال مشاريع الفايبر أوبتيك بمستوياتها المختلفة، ردّ عليه النائب ياسين جابر بالإشارة إلى أنه جرى تلزيم مشروع بـ 12 مليون دولار، وهناك مشروع آخر بـ 10 ملايين دولار، وبناءً عليه لا داعي لهذا المبلغ المرصود.
اقتراحات للمعالجة
أمام هذين المثالين، تدرس اللجنة الفرعية إمكانية نقل المبالغ المرصودة لوزارة الاتصالات إلى اعتمادات المؤسستين الأمنية والعسكرية، غير أن آلية هذا النقل لم تحدد حتى الآن. تشير مصادر اللجنة إلى إمكانية تقديم اقتراح إلى الهيئة العامة لنقل الاعتمادات، ولا سيما أن مجلس النواب غير مخول بزيادة الاعتمادات المقررة في مشروع قانون الموازنة. إلا أن آراء أخرى تعتبر أن هذا الاقتراح يخالف المادة 84 من الدستور التي تنص على أنه «لا يجوز للمجلس خلال مناقشة الميزانية ومشاريع الاعتمادات الإضافية أو الاستثنائية أن يزيد الاعتمادات المقترحة عليه في مشروع الموازنة أو في بقية المشاريع المذكورة، سواء كان ذلك بصورة تعديل أو اقتراح. غير أنه يمكنه بعد الانتهاء من تلك المناقشة تقديم اقتراحات قوانين، من شأنها إحداث نفقات جديدة».
(الاخبار)