في موازاة المعارك الدائرة في جرود عرسال، ثمّة كلام يتعلق باحتمال توسيع دائرة الإشتباك باتجاه جرود القاع ورأس بعلبك حيث يتواجد عناصر تنظيم «داعش» الإرهابي بكثرة في هذه المنطقة منذ سنوات، ومن هذا التواجد تمكّن بعض عناصر هذا التنظيم في حزيران 2016 من تنفيذ سلسلة عمليات إنتحارية في بلدة القاع أسفرت عن استشهاد وجرح عدد من المواطنين. واليوم وبعد إقتراب موعد الإنتهاء من معركة جرود عرسال بحسب البيانات التي تصدر عن الجهة المعنية بهذه المعركة، أي «حزب الله»، ثمة إشارات بدأت تُلحظ باقتراب ساعة الصفر لموعد انطلاق معركة جرود القاع ورأس بعلبك خصوصاً في ظل التحضيرات العسكرية واللوجستية التي يُجريها الجيش في تلك المنطقة، وهذا ما لوحظ فعلاً خلال الأيام الماضية.
بكثير من الجهد والعمل الدؤوب ولو في جو من السرية التامة في الكثير من الأحيان، يُتابع الجيش كافة التحضيرات المطلوبة لأي احتمال طارئ في حال انطلاق معركة تحرير جرود القاع ورأس بعلبك من الوجود الإرهابي الذي يُقلق الأهالي منذ فترة طويلة. لا أجندات خارجية ولا مواعيد تتضارب مع عمله وواجبه الوطني القاضي بتحرير كل حبّة تراب بعيداً من الحسابات السياسية وعمليات شد الحبال في موضوع السيادة. بهذه الروحية يجد الجيش نفسه مُحاطاً بدعم سياسي غير محدود لإنجاز كافة المهمات المتعلقة بطرد الإرهاب. ومن باب هذه المسؤولية الكُبرى، عزّز فوج المجوقل أمس، مواقعه العسكرية والميدانية مستقدماً مزيداً من التعزيزات الى بلدتي رأس بعلبك والقاع ومحيطهما بالتزامن مع تسيير دوريات مؤللة وراجلة كما قام بتثبت نقاط عسكرية جديدة تحسباً لأي محاولة تسلل أو فرار للمسلحين باتجاه البلدتين.
إجماع غير محدود من أهالي البقاع كافة وتحديداً القاع ورأس بعلبك حول أي عمل عسكري يقوم به الجيش يُمكن أن يختار هو وحده موعد إنطلاقه. أهالي البلدتين وضعوا أنفسهم في خدمة الجيش وبتصرفه في حال استدعت الحاجة وجودهم أو أقله مساعدتهم، وهم بثقتهم هذه بالمؤسسة العسكرية، يكونون إنما يلتقون على الطريق نفسه الذي سار عليه أهالي بلدة عرسال جارتهم وشريكتهم في السرّاء والضرّاء وفي التأييد الواضح لكل ما تقوم به المؤسسة العسكرية ولكافة الخطوات والمواقف التي تتخذها. كما يُدرك الأهالي بأن دور الجيش في معركة الجرود لن يكون ثانويّاً، وهو ليس كذلك أيضاً في معركة جرود عرسال، خصوصاً وأن الاحتياطات التي قام ويقوم بها الجيش، وحدها الكفيلة بحمايتهم، ووحده الجيش يُمكن أن يرد عنهم أذى الإرهاب، تماماً كما كان دوره يوم دخل الإرهاب ليحصد أرواحاً بريئة في بلدة القاع.
في محاولات لزعزعة الوضع الأمني أمس، تناقلت بعض المواقع معلومات تحدثت عن تسلل انتحاريين الى بلدة القاع، لكنّ مصدراً أمنياً رفيعاً، نفى عبر «المستقبل» هذه المعلومات واعتبر أنها تصب في مصلحة زعزعة الأمن والاستقرار وخصوصاً في مناطق البقاع، حيث تشهد خناقاً شديداً على مواقع كافة الجماعات الإرهابية المواجهة أو المحاذية لها. ويؤكد المصدر أن الجيش لم يعلن حتّى الساعة بدء عملية تحرير ما تبقّى من الجرود وتحديداً جرد القاع ورأس بعلبك. وفي السياق عُلم ان مفاوضات غير مباشرة تجري مع تلك الجماعات، قد تُفضي خلال الساعات المُقبلة إمّا إلى تسليم هؤلاء أنفسهم، أو الإنسحاب باتجاه الداخل السوري. كما وأن هذه الجماعات، باتت تشعر بمدى استحالة بقائها ضمن الأراضي اللبنانية خصوصاً في ظل التعزيزات العسكرية التي استحضرها الجيش والتي عزّزها بعناصر من قوّاته الخاصّة.
لا ينفي المصدر أن تكون جميع الإحتمالات واردة في ما خص أي عملية عسكرية يمكن أن يُنفذها الجيش ضد الجماعات الإرهابية، وإلا لما كان استقدم كل هذه التعزيزات العسكرية واللوجستية في القاع ورأس بعلبك وعرسال أيضاً. لكن يجب التنبّه إلى أن الهم الأوّل والأبرز للجيش، هو حماية المدنيين والأهالي والمخيمات من أي اعتداء أو محاولات تسلّل يُمكن أن تقوم بها هذه الجماعات. ويُضيف: «يجب ألا ننسى أن أي معركة يخوضها الجيش ضد الإرهاب وفي أي مكان، هي حتماً شرعية مُغطّاة سياسيّاً وشعبيّاً، ومن هنا تستمد عمليات الجيش شرعيتها والأهم أن سعيه نحو تحقيق الإنتصارات في وقت سريع، لا يعوقه سوى أمر واحد فقط، هو حماية المدنيين والحفاظ على أرواحهم مهما كانت التكلفة غالية.
المؤكد أن ثمة قراراً حاسماً داخل قيادة الجيش صدر منذ ما قبل فتح جبهة جرود عرسال، قضى بالتعامل بحزم وحسم مع الحالة الإرهابية في الجرود اللبنانية التي يعتبرها هؤلاء بمنزلة رهينة بين أيديهم، على الرغم من قرار أهالي البلدات المُحيطة لتلك الجرود غير الخاضع للشك ولا حتى للتأويل في ما خص دعمهم اللامتناهي للشرعية ولمؤسسة الجيش على وجه الخصوص. لذلك تُعتبر مسألة تنظيف الجرود من وجود الإرهابيين بالنسبة إلى الجيش، مسألة لبنانية بحت لا تخضع لا إلى ظروف ولا إلى تسويات أو إملاءات خارجية. من هنا يبرز دعمه السياسي والعسكري الخارجي والذي يعود فقط الى نجاحه في تثبيت الأمن على الحدود بعدما ظلّت لفترة طويلة مُستباحة من قبل الإرهابيين و»فالتة«أمام الإنتحاريين وسياراتهم المُفخّخة.
يبقى الأهم، أن الجيش ومن خلال العمليات النوعية التي يُنفذها، يصد محاولات التسلل إلى داخل الوطن بعدما أصبحت قصصاً من نسج الخيال، وبالتالي لم يعد تطبيقها مُمكناً على أرض يطوقها الجيش بنيران مدفعيته وثبات عناصره.
في وقت، ساد الهدوء الحذر ما تبقى من جبهات في جرود عرسال بين «حزب الله» و«جبهة النصرة»، في اليوم السادس على بدء المعارك في تلك الجرود. إذ لم تسجَّل، أمس، ومنذ ساعات الصباح الأولى أي مواجهات ميدانية، في وقت استمرّ القصف متقطّعاً على المحاور بين الجبهة والحزب.
وكانت مدفعية الجيش استهدفت مواقع للمسلحين في جرود السلسلة الشرقية، بعد رصد تحركات مشبوهة، بحسب ما ذكرت «الوكالة الوطنية للإعلام»، والتي أفادت بأن طيران النظام السوري شنّ مع ساعات المساء الاولى غارات متتالية على مواقع المسلحين في جرود عرسال، وسمعت أصوات القصف في البقاع الشمالي. وكان سبق ذلك قصفٌ مدفعي صاروخي على مواقع «النصرة» في تلال وادي حميد في جرود عرسال، من جانب «حزب الله»، الذي ذكر إعلامه الحربي أن المسؤول عن عمليات»الجبهة» العسكرية المدعو عمار وردي قد قتل.
وكان طيران النظام السوري شنّ عند الثانية فجر أمس غارات عنيفة على معبر الزمراني، في وقت اشتدت المعارك الميدانية بين الحزب والجبهة مع ساعات الفجر عند مرتفعات وادي حميد قبل أن تعود وتهدأ صباحاً.
(المستقبل)