شارك وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي في المناقشات الجارية في مقر الأمم المتحدة في جنيف، تحت عنوان “نحو ميثاق عالمي بشأن اللاجئين” التي دعت اليها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أمس، للتدليل على أن “لبنان يشكل نموذجا متميزا في تحمله للأعباء المتتالية التي مر بها ولا يزال”.
وأوضح المرعبي في مداخلته أنه “على مدار الست سنوات الماضية، أدت الحرب السورية إلى تشريد 12 مليون نازح سوري، استضاف لبنان اكثر من مليون ونصف منهم، ما تسبب في زيادة نحو 37 في المئة من عدد سكانه”. وقال: “إن مليون ونصف مليون سوري انضموا الى 400 الف لاجىء فلسطيني قدموا الى لبنان منذ 70 سنة، فضلا عن نازحين ومهاجرين من جنسيات مختلفة. فلبنان الذي تبلغ مساحته 10452 كلم وعدد سكانه لا يتجاوز 4 ملايين نسمة، يستضيف مليوني ضيف. فواحد من اصل ثلاثة اشخاص مقيمين في لبنان هو نازح او لاجىء، ما يجعلنا البلد الأعلى في جميع أنحاء العالم، من حيث نسبة اللاجئين إلى عدد سكانه”.
وإذ حذر من “ارتفاع منسوب التوتر بين المجتمعات المضيفة والنازحين إلى مستويات خطيرة”، قال: “العبء في حالتنا ليس ماديا، بقدر ما يحمل مخاطر زعزعة للاستقرار، ما ينذر باضطرابات اجتماعية وعنف تجعل أمن لبنان واستقراره على المحك”.
أضاف: “لكل حالة ميزاتها، وهو ما يجب أن يؤخذ في الإعتبار عندما نتحدث عن تشارك العبء. ألا يكون تشارك الاعباء في مساعدة بلدان اللجوء الأول التي تستقبل أعدادا كبيرة لجأوا إليها من البلدان المجاورة لها؟ وهل تقاسم الأعباء يعني الاقتصار على دعم اللاجئين في تلك البلدان المضيفة ماليا لمنحهم حافزا أكبر للبقاء في مكانهم؟ هل فكرنا في حقيقة أننا نحول مسؤولية استقبال اللاجئين إلى البلدان الأقل استعدادا للتعامل معها؟ وإذا نظرنا إلى تشارك الاعباء من خلال الدعم المالي ومن خلال توزيع اللاجئين على البلدان، فإن سؤالنا سيكون: هل حدث ذلك بطريقة منصفة؟”.
وتابع: “في اليوم الذي نرى فيه الإنصاف بين دول العالم في تقاسم هذه الاعباء، حينها سنتحدث عما يمكننا القيام به أكثر للنازحين السوريين في لبنان. ينبغي على كل بلد في هذا العالم أن يتقاسم أعباء اللاجئين، كل حسب قدرته، وهذا بالتأكيد الشيء الذي يجب أن يتضمنه هذا الميثاق”.
وذكر المرعبي بأنه “في عالم اليوم، البلدان الأكثر هشاشة تستضيف اللاجئين في حين أن الأكثر قدرة يقفون متفرجون”، مستشهدا بكلام الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في معرض تقديمه تقرير “البلدان المستضيفة للاجئين السوريين: التضامن وتقاسم الأعباء” الصادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في عام 2013، والذي ينادي فيه غوتيريس بضرورة وضع المجتمع الدولي المزيد من التدابير لتقاسم هذا العبء”، مبديا أسفه ل”عدم تحقق نداء السيد غوتيريس لغاية هذه اللحظة”.
وجدد تأكيده أن “الشعب اللبناني كان المانح والمساهم الأكثر سخاء في تخفيف معاناة النازحين السوريين رغم كل ما يمر به”. وقال: “هذا هو تقاسم العبء الحقيقي. لقد رحبنا بالأطفال في مدارسنا، مراكزنا الصحية وغيرها من الخدمات العامة مفتوحة للسوريين، ونحن نعمل جاهدين لضمان حصول الأطفال على الوثائق. نحن نتشارك والنازحين منازلنا وحياتنا”.
أضاف: “رغم أن لبنان تحفظ على اتفاقية اللاجئين لعام 1951، ويرفض دمج النازحين أو اللاجئين وتوطينهم، إلا انه اهتم بالنازحين السوريين طوعا، وبشكل أفضل مما تفعله أي دولة طرف في الإتفاقية”.
وإذ نوه ب”سخاء العديد من الأصدقاء في جميع أنحاء العالم”، لفت الى أن “التمويل الذي يتلقاه لبنان غير كاف مقارنة مع عدد اللاجئين الذين يستضيفهم”. وقال: “نحن نعترف بأننا كبلد لم ندرك شدة الأزمة التي طال أمدها إلى أن مر الكثير من الوقت، وأننا بالتأكيد لم نكن مستعدين لاستقبال مثل هذا النزوح، بحكم انشغالنا في محاولة الوقوف على أقدامنا والتعامل مع التحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية القائمة بالفعل”.
ورغم ذلك، ذكر المرعبي ب”إطلاق خطة لبنان للاستجابة للأزمة LCRP في 2014 والتي تتضمن التنسيق المشترك مع الوزارات المعنية ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والجهات المانحة، والتي تلحظ الدعم الإنساني وتحقيق الاستقرار، وأصبحت إحدى أهم دعائم إدارة الأزمة في لبنان، وجمعت الجهات الفاعلة في هيكل تنسيقي قوي بقيادة الحكومة اللبنانية”.
وقال المرعبي: “مع مرور الوقت أدركنا أن الطوارىء تحولت إلى أزمة مطولة، ولا يمكننا أن نواصل التعامل معها بشق إنساني بحت. لقد وصلنا اليوم إلى خطة تمتد من 2017 إلى 2020 ذات رؤية طويلة الأجل لهذه الأزمة الطويلة الامد، ولكن المجتمع الدولي مدعو للعمل معنا لاعادة وضع لبنان على طريق الاستقرار والتنمية المستدامة”.
وأشار الى أن “الخطوة الأولى للتأكيد على أهمية هذه القضية، تتمثل في إنشاء وزارة جديدة لشؤون النازحين، وهي مكلفة بتنسيق الجهود الرامية إلى إدارة الأزمة، فضلا عن وضع السياسة العامة للنزوح، الى جانب تشكيل لجنة مشتركة بين الوزارات المعنية بأزمة النزوح السوري، والتي يرأسها رئيس الوزراء، وجميع الوزراء المعنيين أعضاء فيها”.
وذكر بأنه في “أعقاب مؤتمر لندن الخاص باللاجئين، تم تأليف لجنة توجيهية رفيعة المستوى تجمع بين الحكومة ووكالات الأمم المتحدة والجهات المانحة على أعلى مستوى، لخلق منبر للتعاون والتنسيق في معالجة الأزمة وتأثيرها على لبنان، وإيجاد آلية التمويل الميسر الجديدة التي وضعها كل من البنك الدولي والبنك الإسلامي للتنمية في العام الماضي”، لافتا الى أنه “تم تخصيص التمويل الميسر لدعم الاردن ولبنان في معالجة تداعيات الازمة على نطاق أوسع من خلال تزويدهما بقروض ميسرة واستثمارات في بنيتهما التحتية”.
وقال: “كل ذلك كان ليكون عديم الفائدة لولا الشعب اللبناني، فإذا أخذنا LCRP كمثال، فإننا نرى أنه في عام 2014 تلقينا 47% من النداء الذي اطلقناه. في عام 2015 تلقينا 54%، بينما في عام 2016 تلقينا 46% فقط. خلال الاشهر السبعة من 2017 لم نلتق سوى 13% من التمويل.. ثم نسمع محادثات حول تقاسم العبء”.
أضاف: “هذا هو المكان الذي يجب أن نفكر فيه: هل هناك أي نظام أو آليات نعمل على تأسيسها ليستطيع الناس الصمود؟ وينبغي أن يكون ذلك أولوية. وهذه الآليات تحتاج إلى تنسيق قوي، وخطط واستراتيجيات واضحة للاستجابة وتقاسم الأعباء”.
وتابع: “نأسف أننا بعد 7 سنوات على الأزمة السورية، نجد العالم لا يزال يناقش من أين نبدأ. ألا ينبغي لنا أن نتذكر أنه لا يمكن حل اي شيء إذا لم نتناول الأسباب الجذرية لهذه الأزمات؟”.
وقال: “نحن لا نعتمد على الميثاق لتغيير اللعبة أو للبدء في رعاية الناس الذين نستضيفهم، لقد كنا نفعل كل هذا، وكنا الأكثر سخاء في ذلك. ولكننا نأمل من خلال هذا الميثاق أن يلتزم به المجتمع الدولي وأن يقوم بتقاسم الأعباء بشكل حقيقي”.
وإذ لفت المرعبي إلى “ضرورة وجود اتفاقات دولية او مواثيق”، رأى ان “العبرة تكمن في التنفيذ عندما يحين الوقت”.
وشدد على انه من “المثير للدهشة أن البلدان التي ليست أطرافا في اتفاقية عام 1951 تبذل المزيد من الجهود لصالح اللاجئين أكثر من البلدان الأطراف في الاتفاقية”، مطالبا “الدول الاطراف في اتفاقية اللاجئين بتنفيذها فعليا وابقاء عقلها وأبوابها مفتوحة أمام الاندماج المحلي المناسب”.
وانتقد “انخفاض نسبة توطين النازحين السوريين في بلد ثالث”، معتبرا أنه “يتعين على المجتمع الدولي أن يكون منفتحا على مبادرات بديلة لا تقتلع السوريين بشكل دائم من بلدهم”.
وخلص إلى أنه “ينبغي لهذه الدول استقبال النازحين واللاجئين ومساعدتهم في بناء قدراتهم، وتسهيل عودتهم عندما يحين الوقت لكي يصبحوا جزءا لا يتجزأ من إعادة بناء مستقبل بلدانهم الأصلية، وينبغي أن يتناول الميثاق أيضا عودة هؤلاء الأفراد وفق الخطط التي ستنفذها الأمم المتحدة في الحالات التي يمكن فيها ضمان سلامتهم حتى لو لم تنته الحرب”.
وختم المرعبي مداخلته بالتشديد على أن هناك “العديد من الطرق لتشارك الأعباء، ويتطلب ذلك أن يكون الناس منفتحين على تحملهم حقا لمسؤولياتهم تجاه اللاجئين وكذلك تجاه البلدان التي تتحمل هذا العبء، فهناك الكثير الذي يمكن تعلمه من لبنان، في سياق استضافة النازحين وخدمتهم ولو على حساب لقمة عيشهم الأساسية”.