لم تُخالِف جلسة مجلس الوزراء اللبناني، أمس، التوقّعات بأن «التيارات المتعاكسة» التي ارتسمتْ عشية انعقادها حيال ملفاتٍ عدّة أبرزها عودة النازحين السوريين إلى بلدهم، لن تُحدِث أي اهتزازاتٍ في المسار العام في لبنان الذ، وإن استعاد ملامح الاستقطاب بإزاء عناوين سياسية كبرى إلا ان ذلك يبقى في سياق «تأكيد المؤكد» في ما خص «ربْط النزاع» بين الأفرقاء «المتّفقين على كيفية الاختلاف»، من دون أن يَبلُغ الأمر حدّ العودة إلى وضعيّة «المواجهة الكاسِرة للتوازنات» التي دارت في الأعوام الستة الماضية بين قوى النفوذ في المنطقة على طول «خط نارٍ» يشمل خصوصاً العراق وسورية واليمن.
ومن هنا، أخذَ مجلس الوزراء أمس عِلماً بالمواقف المعلَنة والثابتة لمختلف الأطراف السياسية من ملف النازحين السوريين الذي كان قفز الى الضوء بقوّة في أعقاب عمليات الدهم التي نفّذها الجيش قبل أقل من أسبوع في عددٍ من مخيمات بلدة عرسال، وما تخللها من تفجير 4 انتحاريين أنفسهم وتوقيف المئات، وصولاً الى طلب «حزب الله» من الحكومة اللبنانية التنسيق مع النظام السوري لإعادة النازحين.
وفيما كان يَتفاعل إعلان الجيش اللبناني وفاة 4 من السوريين الذين أوقفوا في عرسال من المتورّطين بالتخطيط لتفجيرات في لبنان نتيجة مشكلات صحية مزمنة «تفاعلتْ بفعل الأحوال المناخية»، مشيراً الى أن الوفاة حصلتْ في المستشفيات وقبل التحقيق معهم، كرّستْ جلسة الحكومة الاصطفاف حيال كيفيّة معالجة ملف النازحين في شكلٍ استعاد ترسيماتِ معسكريْ «8 و14 آذار» ولو «موْضعياً»، بعدما كانت الأشهر الماضية شهدتْ خلْط أوراق في التحالفات «حُيّدت» معه العناوين الاستراتيجية لاعتباراتٍ تتصل بلعبة السلطة وحسابات احتواء «العاصفة» في المنطقة.
وفي هذا السياق، تَصدّر «جبهة رفْض» أيّ تفاوُضٍ مع النظام السوري رئيس الحكومة سعد الحريري (في كلمته بمستهلّ الجلسة) ووزراء «القوات اللبنانية» والنائب وليد جنبلاط، مقابل «محور التأييد» الذي ضمّ «حزب الله» وحلفاءه ووزراء «التيار الوطني الحرّ» (حزب الرئيس ميشال عون)، وسط معلوماتٍ عن نقاشٍ حامٍ حصل بين الوزير ميشال فرعون (المستقلّ وحليف «القوات») وبين الوزير علي قانصوه (الحزب السوري القومي الاجتماعي) بعد قول الأخير «لا حوار مع الحكومة السورية يعني لا عودة للنازحين» قبل أن يحتوي عون الموقف بعدما كان حذّر من «تحوُّل مخيمات النازحين بيئة حاضنة للإرهابيين».
وأفضى هذا «التوازن السلبي» إلى «لا موقف» من الحكومة بملفّ النازحين، بعدما اعتبر الحريري في كلمته ان التنسيق مع النظام السوري «من المواضيع الخلافية، ونريد عودة النازحين اليوم قبل الغد ولكن ذلك مسؤولية الأمم المتحدة التي عليها وضع خطة آمنة لهذه العودة، وسبق أن اتفقنا على وضْع المواضيع الخلافية جانباً»، وتأكيد الوزير مراون حمادة (من فريق جنبلاط) «اننا لا نتكلم مع حكومة مجرمين، والحلّ يكون عبر الأمم المتحدة»، وهو الموقف الذي تلتقي «القوات اللبنانية» مع مبدئه (رفض التفاوض مع نظام الأسد) وإنْ مع تمايُزٍ سيتمّ التعبير عنه في مشروعٍ تحضّره لعرْضه على الحكومة ويرتكز على اعتبار أن عودة النازحين التي حان وقتها يجب أن يكون القرار بشأنها على عاتق الحكومة اللبنانية حصراً لا الأمم المتحدة، لا سيما بعدما ارتسمتْ مناطق آمنة صارت بحكم القائمة في سورية (وأخرى على الطريق) وإن لم تُصنّف رسمياً كذلك بعد، وان التعاون مع الأمم المتحدة يكون لتسهيل تطبيق القرار «الذي هو جزء من الأمن القومي اللبناني».
وبعدما كان «التيار الحرّ» جاهر بأن «المصلحة الوطنية العليا تقضي بعودة النازحين السوريين إلى بلادهم، ولا عقد في التواصل مع الحكومة السورية (…) لأنّ خطر النزوح كياني»، فإن انطباعاً متزايداً يسود بيروت بأن حتى محاولات بحث هذا الملف عبر قنواتٍ مثل المجلس الأعلى اللبناني – السوري لن تجد سبيلاً الى حصول توافق حولها في ظل اعتبارِ خصوم النظام السوري في لبنان ان هذا المجلس هو من «موروثات مرحلة الوصاية التي أنهيناها».
ومن هنا ترى أوساط سياسية أن قضية النازحين التي باتت ضاغطة من الزاوية الأمنية ستدخل سباقاً بين المسار السياسي الاقليمي – الدولي الرامي لترسيم نهائي للمناطق الآمنة والدول التي ستَضمن أمنها وبين الوقائع على «أرض النزوح» لبنان، حيث صار كل تطوُّرٍ أمني يُعمَّم على النازحين الذين تتركّز «العيون» على ما يناهز مئة ألف منهم تحتضنهم عرسال التي يُعتبر «تطهير» جرودها من المجموعات المسلّحة (يتداخل هذا الملف في جانب منه مع اللاجئين فيها) هدفاً استراتيجياً للنظام السوري و«حزب الله» لإكمال السيطرة على طول الحدود اللبنانية – السورية.
وفي موازاة ذلك، كُشف في بيروت أن الحريري سيقوم بزيارة رسمية لواشنطن نهاية الشهر الجاري لعقد لقاء مع الرئيس دونالد ترامب ومع مسؤولين رفيعي المستوى في الإدارة الأميركية تتناول العلاقات الثنائية وآخر مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية، على أن يزور موسكو في سبتمبر المقبل، وذلك وسط مخاوف متزايدة من «صيف ساخن» على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية وتقارير عن «خريف عقوباتٍ» أميركية متجدّدة على «حزب الله» سيبدأ مسارها في الكونغرس قريباً.
(ليندا عازار – الراي)