تسارعت خطوات الطفلة اللبنانية سهى، هربا من الرائحة الكريهة المنتشرة على طول طريقها إلى مدرسة بر الياس الابتدائية الواقعة بالقرب من ضفة نهر الليطاني أكبر مجرى مائي في لبنان، إذ تخشى الإصابة بالأمراض الصدرية والمعوية بسبب التلوث الكبير الذي تعاني منه قرى محافظة البقاع شرقي لبنان، وتحديداً المناطق القريبة من نهر الليطاني “شديد التلوث” كما يصفه رئيس لجنة الصحة النيابية السابق، الطبيب إسماعيل سكرية الذي يشعر بالقلق الشديد من قائمة الأمراض المنتشرة في المنطقة وعلى رأسها السرطان والذي تجاوزت نسبة المصابين به من بين أبناء بلدات حوض الليطاني، المعدل الوطني العام الذي يبلغ 2.25 بالألف من المواطنين، وفق ما جاء في دراسة “علاقة التلوث بارتفاع نسبة مرض السرطان في قرى حوض الليطاني” الاحصائية المشتركة التي قادها النائب السابق سكرية بالتعاون مع الجامعتين اللبنانية والأميركية وتم الكشف عن نتائجها في نيسان من عام 2016.
وتسجل البلدات والقرى القريبة من الليطاني، زيادة متسارعة في سرطان المعدة والثدي والرئة والبروستات بين أبناء المنطقة، وفق ما جاء في الداراسة التي رصدت إصابة 92 حالة بالسرطان في بلدة القرعون البقاعية خلال الأعوام الأربعة الماضية، كما تبين أن 44 من أهالي بلدة حوش الرافقة في البقاع الشمالي، والتي يخترق أراضيها مجرى نهر الليطاني، يعانون من أمراض سرطانية، أدت إلى وفاة 19 منهم خلال الفترة الماضية بحسب ما وثقته بلدية القرية، بالإضافة إلى تصاعد نسب الإصابة باالسرطان بين أهالي قرى تمنين التحتا والتي يحتل سرطان المعدة نسبة 25 في المئة من بين الإصابات السرطانية فيها، كما يقول الطبيب سكرية الذي خلصت دراسته إلى وجود علاقة قوية بين الارتفاع في نسب الإصابة بالسرطان ومناطق حوض الليطاني، في ظل تضاعف وارتفاع نسب التلوث في المنطقة.
خارطة الأمراض الناتجة عن تلوث النهر
“لا تقتصر “أمراض النهر” على نسب السرطان التي تنعكس على شكل جنازات بالجملة في البلدات القريبة من النهر، لكن أيضاً من خلال حالات التسمم وأمراض الجهازين الهضمي والتناسلي التي تتكاثر في محيط النهر”، بحسب ما قاله الصيدلاني محمد الحموي، الذي يعمل في بلدة القرعون التي تحتضن أكبر بحيرة صناعية في لبنان على مجرى الليطاني، والتي يصل سمك الملوثات الراكدة في قعرها إلى 10 أمتار.
ويعزو الصيدلاني ارتفاع نسبة الأمراض “التي تثقل جيب المواطن وتشكل ضغطا على القطاع الصحي في البقاع” إلى “ارتفاع نسبة السمية في اجساد المواطنين نتيجة تراكم المعادن الثقيلة في المياه وفي المزروعات”.
ويسجل فصل الصيف ارتفاع نسبة الإصابة بالحرارة والإسهال بسبب ارتفاع استهلاك الخضر المروية من مياه النهر، في ظل لجوء بعض المزارعين إلى كسر قنوات نقل مياه الصرف الصحي قبل وصولها إلى محطات التكرير واستخدام مياه المجاري للري”.
ويذكر الصيدلاني الحموي بأن “لجنة وزارية أصدرت تقريراً عام 1994 أعلنت فيه أن مياه النهر ومياه بحيرة القرعون غير صالحة لا للري ولا للاستخدام الزراعي أو الصناعي ولا للسباحة، ولكم أن تتخيلوا الوضع بعد كل هذه السنوات”. ويشير مثلاً إلى أن “النسبة العالمية المقبولة لبكتيريا القولون في المياه المستخدمة للري هي 1% بالـ250 ميليلتر، بينما في البحيرة وجدنا أن النسبة تبلغ 700% و 800% بالميليلتر”. وهو ما يتفق مع ما جاء في دراسة علمية وبيئية عن النهر، أجرتها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في عام 2013، وتضمنت مؤشرات صحية “خطرة” تم الاستناد إليها لوضع خطة لتنظيف مجرى النهر من الملوثات غير أنها لم تطبق حتى اليوم، وفق ما قالته لـ”العربي الجديد” أستاذة علوم الصحة البيئية في الجامعة الأميركية في بيروت، مي الجردي.
(العربي الجديد)