أطلق إقرار قانون الانتخاب الجديد في لبنان والتمديد 11 شهراً للبرلمان ديناميةً سياسية جديدة يمكن قراءتها على أنها «سيف ذو حدّيْن»، فإما تعطي دفعاً متجدِّداً لعهد الرئيس ميشال عون، وإما تتحوّل أشبه بـ «الوقود» للمحرّكات الانتخابية التي دخلتْ دائرة «التحمية».
وتشهدُ البلادُ حِراكاً متجدِّداً على خطيْن متوازييْن: أوّلهما انطلاق مسار تفنيد «قانون النسبية الكاملة» في 15 دائرة والصوت التفضيلي في محاولةٍ لتركيب «بازل» التحالفات التي ستشّكل «القفل والمفتاح» في ما ستُفرِزه صناديق الاقتراع في 6 مايو 2018 وسط ملامحِ عملية «ارتدادٍ» تتصل ببعض جوانب القانون التي لم يتمكّن «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس عون) تحديداً من تحصيلها رغم لعبة «الروليت الروسية» التي بدا أنه مارَسها على «حافة هاوية» الفراغ مع إدراكه أن «الطلقة الوحيدة في مسدسه» هي «رصاصةٍ فارغة» لأن عكس ذلك يعني إطلاق النار على «رأس» العهد قبل غيره.
أما الخطّ الثاني فهو مساعي إطلاق ورشة حكومية – برلمانية، عبر «لقاء التداول» الذي دعا إليه عون الخميس المقبل (في القصر الرئاسي) قادة الأحزاب المشارِكة في الحكومة، لتعويض «ما فات» خلال فترة المفاوضات حول القانون وتحديد ما يشبه «قواعد اشتباك» بين القوى الرئيسية بما يحول دون جعْل القضايا الحياتية التي ستتصدّر المشهد الداخلي «رهينة» مناخ الاستنهاض الانتخابي الذي غالباً ما يُدخل البلاد في «حفلة مزايداتٍ».
وإذا كانت كل حركة هذه الأيام لا تُقرأ إلا «في كتاب الانتخابات» وكإحدى «الرسائل» ذات الصّلة بالتحالفات «المبرمة» أو المحتملة، فإن ارتدادات «معركة قانون الانتخاب» ما زالت «جاثمة» في مرحلة ما بعد إقراره، ما يترك علامات استفهام حول مدى القدرة على «ضبْط» إيقاع الأشهر الفاصلة عن الانتخابات التي بدأت بعض الدوائر ترسم علامات استفهام مبكّرة حيال إمكان الالتزام بإجرائها بموعدها، سواء ربْطاً بما سيكون عليه الواقع الاقليمي او بما تضمّنه القانون من «لغم» البطاقة الممغنطة التي شكّلت «الجسر» للعبور لتمديدٍ طويل نسبياً.
ورغم اللغط الذي أثاره ورود البطاقة الممغنطة في مادةٍ من قانون الانتخاب وورود استخدام بطاقة الهوية أو جواز السفر في مواد أخرى، وهو ما اعتُبر إما خطأ «مقصوداً» وإما «خطأ تَسرُّع»، فإن هذه البطاقة باتت عنواناً لتجاذُب خلف الكواليس ولا سيما بعد إشارة وزير الداخلية نهاد المشنوق تعليقاً على تصويته ضد اعتمادها بالانتخابات المقبلة الى «الواقع الإرباكي الذي ستَخلقه فضلاً عن أنّ عدد المسجّلين حالياً في لوائح الشطب يبلغ 3 ملايين و682 ألف ناخب، فكيف سيتمّ توفير البطاقة الممغنظة لكلّ هؤلاء؟».
وفي حين لفت تشديد رئيس «التيار الحر» وزير الخارجية جبران باسيل على وجوب انجاز البطاقة الممغنطة باعتبارها ضرورة اصلاحية «أما إذا كان هناك عجز عن إنجازها، فإننا نطالب باجراء الانتخابات في اكتوبر المقبل»، فإن كلام باسيل اكتسب أهمية خاصة لأنه يأتي وسط انخراطه في مسار إدخال تعديلاتٍ على قانون الانتخاب في «مسائل مهمة وبنيوية» (عتبة المرشح والكوتا النسائية وتصويت العسكريين وتصويت الانتشار وغيرها).
ورغم الاقتناع بصعوبة «تغيير فاصلة» في القانون الذي أصبح نافِذاً لأن الأمر يحتاج لتوافق عريض دونه بالحدّ الأدنى عدم رغبة أطراف عدة في تقديم «هدايا انتخابية» لباسيل، فإن بعض الأوساط ومع ترجيحها ان ما يقوم به رئيس «التيار الحر» هو أحد أدوات التحفيز الانتخابي ليس أكثر، إلا أنها لا تُخفي الخشية من تداعياتٍ لمناخ الاستقطاب الذي قد يُحدثه هذا الملف على الواقع الداخلي، بدليل الإشارات التي وجّهها رئيس البرلمان نبيه بري منتقداً «البعض الذي يتهاون بتحمل مسؤولياته الوطنية ويستسهل العبث السياسي»، ولافتاً الى «ان مشكلة البعض انهم يقاربون القانون من زاوية هذا التفصيل او ذاك وليس من زاوية أهميته في تحصين الداخل».
وبرزت اشارة لا تقلّ أهمية في كلام بري جاءت برسْم لقاء التداول الذي يستضيفه عون لرؤساء الكتل المشارِكة في الحكومة (10 شخصيات) بعد غد، إذ أعلن انه يرفض إدراج مسألة تشكيل «مجلس الشيوخ» على جدول أعمال هذا الاجتماع «لأن هذا الملف طوي وأصبح خارج التداول حالياً بعدما تقرر اعتماد النسبية في 15 دائرة»، مذكراً بأنه كان ربط تشكيل المجلس بإقرار النسبية في دائرة واحدة أو ست دوائر «لكنهم أضاعوا الفرصة».
وبدا هذا الموقف بمثابة قطع للطريق على اي محاولة من «التيار الحر» لمعاودة طرح مجلس الشيوخ حالياً بعدما شكّل أحد عناوين «الإصلاحات» التي كان التيار يريد تضمينها في «ملحق» لقانون الانتخاب، علماً ان المعلومات حول جدول اعمال لقاء القصر أشارت الى تضمّنه بنداً حول ما لم يُطبَّق في اتفاق الطائف (مثل مجلس الشيوخ، واللامركزية الإدارية) ورؤية اقتصادية يطرحها عون، وتزخيم عمل الحكومة ومجلس النواب، وبتّ مصير سلسلة الرتب والرواتب.
ولم يُعرف إذا كان «لقاء القصر» الذي برز حرْص على ألا يكون شبيهاً بالحوارات السابقة التي عُقدت منذ العام 2006، ولا سيما ان المؤسسات استعادتْ دورها كاملاً، سيكون يتيماً أو يفضي الى تشكيل لجان متابعة تحت عنوان «تنشيط المؤسسات»، وسط انشداد الأنظار الى حضور النائب سليمان فرنجية الى القصر للمرة الاولى منذ انتخاب عون، في خطوةٍ ستكسر الجليد بينهما الذي «تَراكم» على مدار السباق الرئاسي الذي أصرّ فرنجية على خوضه حتى النهاية.
وفي موازاة ذلك، شكّلت الجولة التي قام بها تيمور وليد جنبلاط اول من امس، على عدد من الكنائس في الشوف، حيث وضع أكاليل مستذكراً «الشهداء الابرياء» الذين سقطوا يوم اغتيال جده «المعلّم» كمال جنبلاط (1977)، بمثابة صفارة انطلاق حملته الانتخابية (سيترشّح مكان والده) تحت عنوان «تكريس المصالحة المسيحية – الدرزية في الجبل»، وإعلان التحالف المبكّر مع «القوات اللبنانية» التي واكبتْه في قسم من الجولة عبر النائب جورج عدوان.
(الراي)